الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث .

[ في معرفة الأقوال والأفعال التي يسجد لها ]

وأما الأقوال والأفعال التي يسجد لها : فإن القائلين بسجود السهو لكل نقصان أو زيادة وقعت في الصلاة على طريق السهو اتفقوا على أن السجود يكون عن سنن الصلاة دون الفرائض ودون الرغائب .

فالرغائب لا شيء عندهم فيها - أعني : إذا سها عنها في الصلاة - ما لم يكن أكثر من رغيبة واحدة ، مثل ما يرى مالك أنه لا يجب سجود من نسيان تكبيرة واحدة ، ويجب من أكثر من واحدة .

وأما الفرائض فلا يجزئ عنها الإتيان بها ، وجبرها إذا كان السهو عنها مما لا يوجب إعادة الصلاة بأسرها ، على ما تقدم فيما يوجب الإعادة وما يوجب القضاء - أعني : على من ترك بعض أركان الصلاة .

وأما سجود السهو للزيادة فإنه يقع عند الزيادة في الفرائض والسنن جميعا ، فهذه الجملة لا اختلاف بينهم فيها ، وإنما يختلفون من قبل اختلافهم فيما هو منها فرض أو ليس بفرض ، وفيما هو منها سنة أو ليس بسنة ، وفيما هو منها سنة أو رغيبة .

مثال ذلك : أن عند مالك ليس يسجد لترك القنوت لأنه عنده مستحب ، ويسجد له عند الشافعي لأنه عنده سنة ، وليس يخفى عليك هذا مما تقدم القول فيه من اختلافهم بين ما هو سنة أو فريضة أو رغيبة ، وعند مالك وأصحابه سجود السهو للزيادة اليسيرة في الصلاة ، وإن كانت من غير جنس الصلاة .

وينبغي أن تعلم أن السنة والرغيبة هي عندهم من باب الندب ، وإنما تختلفان عندهم بالأقل والأكثر [ ص: 165 ] - أعني : في تأكيد الأمر بها - ، وذلك راجع إلى قرائن أحوال تلك العبادة ، ولذلك يكثر اختلافهم في هذا الجنس كثيرا ، حتى إن بعضهم يرى أن في بعض السنن ما إذا تركت عمدا إن كانت فعلا ، أو فعلت عمدا إن كانت تركا أن حكمها حكم الواجب - أعني : في تعلق الإثم بها - ، وهذا موجود كثيرا لأصحاب مالك .

وكذلك تجدهم قد اتفقوا ما خلا أهل الظاهر على أن تارك السنن المتكررة بالجملة آثم ، مثل ما لو ترك إنسان الوتر أو ركعتي الفجر دائما لكان مفسقا آثما ، فكأن العبادات بحسب هذا النظر مثلها ما هي فرض بعينها وجنسها مثل الصلوات الخمس ، ومنها ما هي سنة بعينها فرض بجنسها مثل الوتر وركعتي الفجر وما أشبه ذلك من السنن . وكذلك قد تكون عند بعضهم الرغائب رغائب بعينها سننا بجنسها ، مثل ما حكيناه عن مالك من إيجاب السجود لأكثر من تكبيرة واحدة - أعني : للسهو عنها - ، ولا تكون فيما أحسب عند هؤلاء سنة بعينها وجنسها . وأما أهل الظاهر فالسنن عندهم هي سنن بعينها ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - للأعرابي الذي سأله عن فروض الإسلام : " أفلح إن صدق ، دخل الجنة إن صدق " . وذلك بعد أن قال له : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه - يعني الفرائض - . وقد تقدم هذا الحديث .

واتفقوا من هذا الباب على سجود السهو لترك الجلسة الوسطى ، واختلفوا فيها هل هي فرض أو سنة ، وكذلك اختلفوا هل يرجع الإمام إذا سبح به إليها أو ليس يرجع ؟ وإن رجع فمتى يرجع ؟ قال الجمهور : يرجع ما لم يستو قائما . وقال قوم : يرجع ما لم يعقد الركعة الثالثة . وقال قوم : لا يرجع إن فارق الأرض قيد شبر .

وإذا رجع عند الذين لا يرون رجوعه ، فالجمهور على أن صلاته جائزة . وقال قوم : تبطل صلاته .

التالي السابق


الخدمات العلمية