الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما ولاء الموالاة فالكلام فيه في مواضع في بيان ثبوته شرعا ، وفي .

                                                                                                                                بيان سبب الثبوت وفي بيان شرائط الثبوت ، وفي بيان صفة السبب ، وفي بيان حكمه وفي بيان صفة الحكم ، وفي بيان ما يظهر به أما الأول فقد اختلف في ثبوت هذا الولاء .

                                                                                                                                قال أصحابنا : إنه ثابت ويقع به التوارث ، وهو قول عمر وعلي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم ، وهو قول إبراهيم النخعي ، وقال زيد بن ثابت : رضي الله عنه إنه يورث به ويوضع في بيت المال ، وبه أخذ مالك والشافعي ، وجه قولهما : إن في عقد الولاء إبطال حق جماعة المسلمين ; لأنه إذا لم يكن للعاقد وارث كان ورثته جماعة المسلمين ألا ترى أنهم يعقلون عنه فقاموا مقام الورثة المعينين ، وكما لا يقدر على إبطال حقهم لا يقدر على إبطال حق من قام مقامهم ، ولهذا قالا : إذا أوصى بجميع ماله لإنسان ، ولا وارث له لم يصح ; لأنه إذا لم يكن له وارث معين كان وارثه جماعة المسلمين ، فلا يملك إبطال حقهم كذا هذا والصحيح قولنا بالكتاب والسنة والمعقول أما الكتاب الكريم فقوله عز وجل { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } والمراد من النصيب الميراث ; لأنه سبحانه وتعالى أضاف النصيب إليهم ، فيدل على قيام حق لهم مقدر في التركة وهو الميراث ; لأن هذا معطوف على قوله { ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون } لكن عند عدم ذوي الأرحام عرفناه بقوله عز وجل { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } .

                                                                                                                                وأما السنة فما روي عن تميم الداري رضي الله عنه أنه قال { : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن أسلم على يدي رجل ، ووالاه فقال صلى الله عليه وسلم هو أحق الناس به محياه ومماته } أي حال حياته وحال موته ، أراد به صلى الله عليه وسلم محياه في العقل ومماته في الميراث .

                                                                                                                                وأما المعقول فهو أن بيت المال إنما يرث بولاء الإيمان فقط ; لأنه بيت مال المؤمنين قال الله عز وجل { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } وللمولى هذا الولاء وولاء المعاقدة ، فكان أولى من عامة المؤمنين ألا ترى أن مولى العتاقة أولى من بيت المال للتساوي في ولاء الإيمان ؟ والترجيح لولاء العتق كذا هذا ، إلا أن مولى الموالاة يتأخر عن سائر الأقارب ، ومولى العتاقة يتقدم على ذوي الأرحام ; لأن الولاء بالرحم فوق الولاء بالعقد .

                                                                                                                                فيخلف عن ذوي الأرحام ، وولاء العتاقة بما تقدم من النعمة بالإعتاق الذي هو إحياء وإيلاد معنى ألحق بالتعصيب من حيث المعنى ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم { الولاء لحمة كلحمة النسب } وأما قولهما إن جماعة المسلمين ورثته فلا يقدر على إبطال حقهم بالعقد .

                                                                                                                                فنقول : إنما يصيرون ورثته إذا مات قبل المعاقدة فأما بعد المعاقدة فلا ، والدليل على بطلان هذا الكلام أنه تصح وصيته بالثلث ، ولو كان كذلك لما صحت لكونها وصية للوارث .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية