الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون . والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 475 ] قوله تعالى أفمن زين له سوء عمله اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنها نزلت في أبي جهل ومشركي مكة، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: في أصحاب الأهواء والملل التي خالفت الهدى، قاله سعيد بن جبير .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنهم اليهود والنصارى والمجوس، قاله أبو قلابة .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل: أين جواب أفمن زين له ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب من وجهين ذكرهما الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن الجواب محذوف; والمعنى: أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله؟! ويدل على هذا قوله: فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن المعنى: أفمن زين له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليهم حسرات؟! ويدل على هذا قوله:فلا تذهب نفسك عليهم حسرات .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 476 ] وقرأ أبو جعفر: " فلا تذهب " بضم التاء وكسر الهاء " نفسك " بنصب السين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عباس: لا تغتم ولا تهلك نفسك حسرة على تركهم الإيمان .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فتثير سحابا أي: تزعجه من مكانه; وقال أبو عبيدة: تجمعه وتجيء به، و سقناه بمعنى " نسوقه " ; والعرب قد تضع " فعلنا " في موضع " نفعل " وأنشدوا:

                                                                                                                                                                                                                                      إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا مني وما سمعوا من صالح دفنوا

                                                                                                                                                                                                                                      المعنى: يطيروا ويدفنوا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: كذلك النشور وهو الحياة . وفي معنى الكلام قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: كما أحيا الله الأرض بعد موتها يحيي الموتى يوم البعث . روى أبو رزين العقيلي، قال: قلت: يا رسول الله: كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ فقال: " هل مررت بوادي أهلك محلا، ثم مررت به يهتز خضرا؟ " قلت: نعم، قال: " فكذلك يحيي الله الموتى، وتلك آيته في خلقه " .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: كما أحيا الله الأرض الميتة بالماء، كذلك يحيي الله الموتى بالماء .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 477 ] قال ابن مسعود : يرسل الله تعالى ماء من تحت العرش كمني الرجال، قال: فتنبت لحمانهم وجسمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ هذه الآية . وقد ذكرنا في (الأعراف: 57) نحو هذا الشرح .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية