الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الخامسة قوله تعالى : { فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين } .

                                                                                                                                                                                                              فيها ثلاث مسائل : المسألة الأولى : القول في التبسم : وهو أول الضحك ، وآخره بدو النواجذ ; وذلك يكون مع القهقهة ، وجل ضحك الأنبياء التبسم . المسألة الثانية : من الضحك مكروه ، لقوله : { فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون } .

                                                                                                                                                                                                              ومن الناس من كان لا يضحك ; اهتماما بنفسه وفساد حاله في اعتقاده من شدة الخوف ، وإن كان عبدا طائعا . ومن الناس من يضحك ، وإنما قال الله في الكفار : { فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا } لما كانوا عليه من النفاق يعني ضحكهم في الدنيا وهو تهديد لا أمر بالضحك .

                                                                                                                                                                                                              وقالت عائشة : { جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان رفاعة طلقها فبت طلاقها ، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ، وقالت : يا رسول الله ; والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة الهدبة أخذتها من جلبابها ، وأبو بكر الصديق وخالد جالسان عند النبي صلى الله عليه وسلم وإن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة ليؤذن له ، فطفق خالد ينادي : [ ص: 477 ] يا أبا بكر ، انظر ما تجهر به هذه المرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم . ثم قال : لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة . } الحديث .

                                                                                                                                                                                                              { واستأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته ; فلما استأذن عمر تبادرن الحجاب ، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل ، والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك . فقال : أضحك الله سنك يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، فقال : عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك تبادرن الحجاب } وذكر الحديث .

                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الله بن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بالطائف قال : إنا قافلون غدا إن شاء الله . فقال أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نبرح حتى نفتحها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فاغدوا على القتال . قال : فغدوا ، فقاتلوهم قتالا شديدا ، وكثرت الجراحات . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا قافلون غدا إن شاء الله قال : فسكتوا . قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم } .

                                                                                                                                                                                                              وقال أبو هريرة { : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هلكت ، وأهلكت ، وقعت على أهلي في رمضان . قال : اعتق رقبة . قال : ليس لي مال . قال : فصم شهرين متتابعين . قال : لا أستطيع . قال : فأطعم ستين مسكينا . قال : لا أجد . قال : فأتى رسول الله بعرق تمر . والعرق : المكتل . فقال : أين السائل ؟ تصدق بهذا [ ص: 478 ] قال : أعلى أفقر مني ، والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا . فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه . قال : فأنتم إذا } .

                                                                                                                                                                                                              ولما سأله الناس المطر فأمطروا ، ثم سألوه الصحو ضحك .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : قال علماؤنا : إن قيل : من أي شيء ضحك سليمان ؟ قلنا : فيه أقوال : أصحها أنه ضحك من نعمة الله عليه في تسخير الجيش وعظيم الطاعة ، حتى لا يكون اعتداء .

                                                                                                                                                                                                              ولذلك قال : { أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه } وهو حقيقة الشكر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية