الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - عز وجل -: وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ؛ أنبأ الله المؤمنين بما يسره المنافقون من الكفر؛ ومعنى " شياطينهم " ؛ في اللغة: " مردتهم؛ وعتاتهم في الكفر " ؛ ويقال: " خلوت إليه " ؛ و " معه " ؛ ويقال: " خلوت به " ؛ وهو على ضربين؛ أحدهما: " جعلت خلوتي معه " ؛ كما قال: " خلوت إليه " ؛ أي: جعلت خلوتي معه؛ وكذلك يقال: " خلوت إليه " ؛ ويصلح أن يكون " خلوت به " : " سخرت منه " .

                                                                                                                                                                                                                                        ونصب " معكم " ؛ كنصب الظروف؛ تقول: " إنا معكم " ؛ و " إنا خلفكم " ؛ معناه: إنا مستقرون معكم؛ ومستقرون خلفكم؛ والقراءة المجمع عليها فتح العين؛ وقد يجوز في الاضطرار إسكان العين؛ ولا يجوز أن يقرأ بها؛ ويجوز " إنا معكم " ؛ للشاعر؛ إذا اضطر؛ قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        قريشي منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما



                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 89 ] وفي قوله - عز وجل -: خلوا إلى ؛ وجهان؛ إن شئت أسكنت الواو؛ وخففت الهمزة وكسرتها؛ فقلت: " خلوا الى " ؛ وإن شئت ألقيت الهمزة؛ وكسرت الواو؛ فقلت: " خلو لى " ؛ وكذلك يقرأ أهل الحجاز؛ وهو جيد بالغ؛ و " إنا " ؛ الأصل فيه: " إننا " ؛ كما قال الله - عز وجل -: إنني معكما ؛ ولكن النون حذفت لكثرة النونات؛ والمحذوف النون الثانية من " إن " ؛ لأن في " إن " ؛ نونين؛ الأولى ساكنة؛ والثانية متحركة. وقوله - عز وجل -: إنما نحن مستهزئون ؛ " نحن " ؛ مبنية على الضم؛ لأن " نحن " يدل على الجماعة؛ وجماعة المضمرين يدل عليهم - إذا ثنيت الواحد من لفظه - الميم؛ والواو؛ نحو: " فعلوا " ؛ و " أنتم " ؛ فالواو من جنس الضمة؛ فلم يكن بد من حركة " نحن " ؛ فحركت بالضم؛ لأن الضم من الواو; ألا ترى أن واو الجماعة إذا حركت لالتقاء الساكنين؛ ضمت؛ نحو اشتروا الضلالة ؟ وقد حركها بعضهم إلى الكسر؛ فقال: " اشتروا الضلالة " ؛ لأن اجتماع الساكنين يوجب كسر الأولى؛ إذا كانا من كلمتين؛ والقراءة المجمع عليها: اشتروا الضلالة ؛ بالضم؛ وقد رويت: " اشتروا الضلالة " ؛ بالفتح؛ وهو شاذ جدا؛ و " مستهزئون " ؛ القراءة الجيدة فيه تحقيق الهمزة؛ فإذا خففت الهمزة جعلت الهمزة بين الواو؛ والهمزة؛ فقلت: " مستهزوون " ؛ فهذا الاختيار بعد التحقيق؛ [ ص: 90 ] ويجوز أن تبدل من الهمزة ياء؛ فتقول: " مستهزيون " ؛ فأما " مستهزون " ؛ فضعيف؛ لا وجه له إلا شاذا؛ على لغة من أبدل الهمزة ياء؛ فقال في " استهزأت " : " استهزيت " ؛ فيجب على لغة " استهزيت " ؛ أن يقال: " مستهزون " .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية