الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 81 ] استدراك على تفسير المغضوب عليهم والضالين

                          ورد في الحديث المرفوع تفسير ( المغضوب عليهم ) باليهود ، و ( الضالين ) بالنصارى ، رواه أحمد والترمذي وحسنه ابن حبان وصححه غيرهم ، ونقلنا عن شيخنا الأستاذ الإمام ( ص 55 ) عزوه إلى بعضهم ، أي بعض المفسرين وهو يريد أن بعض المفسرين اختار أن هذا هو المعنى المراد ، وهو لم يكن يجهل أن هذا روي مرفوعا ، ولكنه كان يعلم ـ مع هذا ـ أن أكثر المفسرين فسروا اللفظين بما يدلان عليه لغة حتى بعض أهل الحديث منهم ، وكأنهم لم يروا أن الحديث صحيح ، فقد قال البغوي الملقب بمحيي السنة في تفسيره ( معالم التنزيل ) بعد تفسيرهما بمدلولهما اللغوي ، " قيل : المغضوب عليهم هم اليهود ، والضالون هم النصارى ؛ لأن الله تعالى حكم على اليهود بالغضب فقال : ( من لعنه الله وغضب عليه ) وحكم على النصارى بالضلال فقال : ( ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل ) وقال سهل بن عبد الله : غير المغضوب عليهم بالبدعة ، ولا الضالين عن السنة ا هـ .

                          فعبر عن هذا القول بقيل الدال على ضعفه عنده ولم يستدل عليه بالحديث .

                          وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره : غير صراط المغضوب عليهم ، وهم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه ، ولا صراط الضالين ، وهم الذين فقدوا العلم ، فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق ، وأكد الكلام بـ " لا " ليدل على أن ثم مسلكين فاسدين وهما : طريقة اليهود والنصارى . ا هـ .

                          وبعد كلام طويل في إعراب " غير " و " لا " إنما جيئ بـ " لا " لتأكيد النفي لئلا يتوهم أنه معطوف على ( الذين أنعمت عليهم ) وللفرق بين الطريقتين لتجتنب كل واحدة منهما ، فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل بالحق والعمل به ، واليهود فقدوا العمل والنصارى فقدوا العلم ، ولهذا كان الغضب لليهود ، والضلال للنصارى ـ واستشهد بالآيتين اللتين استشهد بهما البغوي ، ثم ذكر الحديث ورواياته وهو عند أحمد والترمذي وكذا ابن حبان من طريق سماك بن حرب عن عدي بن حاتم ، قال الترمذي ، حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديثه ، وسماك ضعفه جماعة ووثقه آخرون ، واتفقوا على أنه تغير في آخر عمره بل خرف ، فما رواه في هذه الحال فلا جدال في رده بالاتفاق ، وأخرجه [ ص: 82 ] ابن مردويه عن أبي ذر أيضا بسند ، قال الحافظ في الفتح ، إنه حسن ، وقال ابن أبي حاتم : إنه لا يعرف في تفسيرهما بما ذكر خلافا يعني المأثور ، ومع هذا نقول : إن ما ذكره المحققون من الوجوه الأخرى لا يعد مخالفة للمأثور الذي هو من قبيل تفسير العام ببعض أفراده ، من قبيل التمثيل لا التخصيص ، ولا الحصر بالأولى .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية