الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 137 ] النوع العاشر .

فيما أنزل من القرآن على لسان بعض الصحابة .

هو في الحقيقة نوع من أسباب النزول ، والأصل فيه موافقات عمر ، وقد أفردها بالتصنيف جماعة .

وأخرج الترمذي ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه . قال ابن عمر : وما نزل بالناس أمر قط فقالوا وقال : إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر .

وأخرج ابن مردويه ، عن مجاهد قال : كان عمر يرى الرأي ، فينزل به القرآن .

وأخرج البخاري وغيره ، عن أنس قال : قال عمر : وافقت ربي في ثلاث : قلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ؟ فنزلت : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [ ص: 138 ] [ البقرة : 125 ] وقلت : يا رسول الله ، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو أمرتهن أن يحتجبن ؟ فنزلت آية الحجاب . واجتمع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساؤه في الغيرة ، فقلت لهن : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن [ التحريم : 5 ] فنزلت كذلك .

وأخرج مسلم ، عن ابن عمر ، عن عمر قال : وافقت ربي في ثلاث : في الحجاب وفي أسرى بدر ، وفي مقام إبراهيم .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أنس ، قال : قال عمر : وافقت ربي - أو وافقني ربي - في أربع : نزلت هذه الآية ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين الآية [ المؤمنون : 12 ] فلما نزلت قلت أنا : فتبارك الله أحسن الخالقين ، فنزلت فتبارك الله أحسن الخالقين [ المؤمنون : 14 ] .

وأخرج عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : أن يهوديا لقي عمر بن الخطاب فقال : إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا ، فقال عمر : من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين [ البقرة : 98 ] فنزلت على لسان عمر .

وأخرج سنيد في تفسيره ، عن سعيد بن جبير : أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل : في أمر عائشة قال : سبحانك هذا بهتان عظيم [ النور : 16 ] فنزلت كذلك .

وأخرج ابن أخي ميمي في فوائده : عن سعيد بن المسيب ، قال : كان رجلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سمعا شيئا من ذلك ، قالا : سبحانك هذا بهتان عظيم : زيد بن حارثة وأبو أيوب ، فنزلت كذلك .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة قال : لما أبطأ على النساء الخبر في أحد خرجن يستخبرن ، فإذا رجلان مقتولان [ على دابة أو ] على بعير . فقالت امرأة : من الأنصار : من هذان ؟ قالوا : فلان وفلان : أخوها وزوجها . أو زوجها وابنها . فقالت : ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالوا : حي قالت : فلا أبالي ، يتخذ الله من عباده الشهداء ، فنزل القرآن على ما قالت : [ ص: 139 ] ويتخذ منكم شهداء [ آل عمران : 140 ] .

وقال ابن سعد في الطبقات : أخبرنا الواقدي ، حدثني إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري ، عن أبيه ، قال : حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد ، فقطعت يده اليمنى ، فأخذ اللواء بيده اليسرى ، وهو يقول : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ، ثم قطعت يده اليسرى ، فحنى على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره ، وهو يقول وما محمد إلا رسول [ آل عمران : 144 ] يومئذ ، حتى نزلت بعد ذلك .

تذنيب : يقرب من هذا ما ورد في القرآن على لسان غير الله ، كالنبي - عليه الصلاة والسلام - وجبريل ، والملائكة ، غير مصرح بإضافته إليهم ولا محكي بالقول ، كقوله : قد جاءكم بصائر من ربكم ‏الآية ، فإن هذا وارد على لسانه - صلى الله عليه وسلم - لقوله آخرها وما أنا عليكم بحفيظ [ الأنعام : 104 ] .

وقوله : أفغير الله أبتغي حكما الآية [ الأنعام : 114 ] فإنه وارد أيضا على لسانه .

وقوله : وما نتنزل إلا بأمر ربك الآية [ مريم : 64 ] وارد على لسان جبريل .

وقوله : وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون [ الصافات : 164 - 166 ] وارد على لسان الملائكة .

وكذا : إياك نعبد وإياك نستعين [ الفاتحة : 4 ] وارد على ألسنة العباد ، إلا أنه يمكن هنا تقدير القول ، أي : قولوا وكذا الآيتان الأوليان يصح أن يقدر فيهما ( قل ) بخلاف الثالثة والرابعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية