الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 256 ] 189 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمره للناس بالاقتداء بأبي بكر وعمر والاهتداء بهدي عمار والتمسك بعهد ابن أم عبد رضي الله عنهم

1224 - حدثنا عبد الملك بن مروان الرقي قال : أخبرنا الفريابي قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن مولى لربعي بن حراش ، عن ربعي بن حراش ، قال : حدثني من لا أتهم يعني حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقتدوا باللذين بعدي : أبي بكر ، وعمر . واهتدوا بهدي عمار ، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد .

1225 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا أبو حذيفة قال : [ ص: 257 ] حدثنا سفيان الثوري ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، ولم يذكر إبراهيم في حديثه : عن مولى لربعي - ثم ذكر مثله .

1226 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا حامد بن يحيى البلخي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، عن حذيفة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ثم ذكر مثله .

1227 - حدثنا محمد بن النعمان السقطي ، قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان بن عيينة قال : حدثنا زائدة بن قدامة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اقتدوا باللذين بعدي : أبو بكر ، وعمر .

1228 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا يحيى بن حسان قال : حدثنا سفيان ، ثم ذكر بإسناده مثله .

[ ص: 258 ]

1229 - حدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة قال : حدثنا حامد بن يحيى قال : حدثنا ابن عيينة غير مرة ، عن عبد الملك ، عن ربعي . وحدثنيه مرة أخرى فقال : أخبرني زائدة ، عن عبد الملك . ثم ذكر مثله سواء في إسناده وفي متنه .

1230 - حدثنا علي بن عبد الرحمن قال : حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن الثوري ، عن عبد الملك بن عمير ، عن هلال مولى ربعي ، عن ربعي ، عن حذيفة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ مثله .

1231 - حدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن الثوري ، عن منصور ، عن هلال مولى ربعي ، عن ربعي ، عن حذيفة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ مثله .

[ ص: 259 ] قال أبو جعفر : قال لنا ابن أبي داود : وهكذا كان في كتابه يعني الأويسي : عن منصور لا عن عبد الملك .

1232 - قال أبو جعفر : ثم حدثنيه ابن أبي داود مرة أخرى فقال : حدثنا الأويسي قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن هلال مولى ربعي ، عن ربعي ، عن حذيفة . ثم ذكر مثله سواء .

1233 - وحدثنا يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان جميعا قالا : حدثنا يحيى بن حسان قال : حدثنا إسماعيل بن زكريا قال : حدثنا سالم أبو العلاء ، عن عمرو بن هرم ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقتدوا باللذين بعدي : أبي بكر ، وعمر . وعليكم بهدي عمار ، وعهد ابن أم عبد .

قال أبو جعفر : سالم أبو العلاء هذا هو رجل من أهل الكوفة يقال له : الأنعمي ، وهو ثقة مقبول الرواية . وقد روى عنه أبو نعيم وقال : هو سالم بن العلاء أبو العلاء .

[ ص: 260 ] قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث ، فكان ما فيه مما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بالاقتداء بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما معناه عندنا - والله أعلم - أن يمتثلوا ما هما عليه ، وأن يحذوا حذوهما فيما يكون منهما في أمر الدين ، وأن لا يخرجوا عنه إلى غيره .

ثم تأملنا ما أمرهم به من الاهتداء بهدي عمار رضي الله عنه فوجدنا الاهتداء هو التقرب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة ، وكان عمار من أهلها ، فأمرهم أن يهتدوا بما هو عليه منها ، وأن يكونوا فيها كهو فيها .

وليس ذلك بمخرج لغيره من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تلك المنزلة ؛ لأن القصد بمثل هذا إلى الواحد من أهله لا ينفي بقية أهله أن يكونوا فيه مثله كما يقول الرجل : موضع فلان من العبادة الموضع الذي ينبغي أن يتمسك به ، وليس في ذلك ما ينفي أن يكون هناك آخرون في العبادة مثله ، أو فوقه ممن يجب أن يكونوا في الاهتداء بهم في ذلك كالاهتداء به فيه .

1234 - وقد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا بشر بن عمر الزهراني قال : حدثنا زهير بن معاوية قال : حدثنا قابوس وهو ابن أبي ظبيان أن أبا ظبيان حدثه ، [ ص: 261 ] عن عبد الله بن عباس ، عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الهدي والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة .

[ ص: 262 ] قال أبو جعفر : فكان ذلك الهدي المذكور في هذا الحديث من الأعمال الصالحة بالمكان الذي هو به من أجزاء النبوة ، والهدي المراد في هذا الحديث هو التقرب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة ، وكان ذلك موجودا في عمار رضي الله عنه ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس أن يهتدوا به في ذلك ، وأن يجعلوه إماما لهم فيه ، لا على إخراج منه - صلى الله عليه وسلم - سواه من أصحابه رضوان الله عليهم أن يكونوا في ذلك كهو .

1235 - حدثنا علي بن معبد قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن ، عن أبيه ، عن بريدة الأسلمي قال : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نمشي جميعا ، فإذا نحن برجل بين أيدينا يصلي يكثر الركوع والسجود ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عليكم هديا قاصدا ، قالها ثلاثا ؛ فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه .

[ ص: 263 ] فكان الهدي القاصد في هذا هو في الأشياء المراد بها التقرب إلى الله عز وجل ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بالقصد ؛ ليدوم ذلك من أهله ، ودل ذلك إلى أن الهدي هو العمل المتقرب به إلى الله عز وجل .

ثم تأملنا قوله - صلى الله عليه وسلم - : وتمسكوا بعهد ابن أم عبد - ما الذي أراده به ؟ فوجدنا الله عز وجل قد قال في كتابه : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا . وكان ابن أم عبد رضي الله عنه منهم ، وكان مع ذلك من الهدي .

كما .

حدثنا يوسف بن يزيد قال : حدثنا يوسف بن عدي الكوفي قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : كان عبد الله يعني ابن مسعود يشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - دله وهديه وسمته وكان علقمة يشبه بعبد الله .

[ ص: 264 ] وكما .

حدثنا يوسف قال : حدثنا سعيد بن منصور قال : حدثنا سفيان ، عن جامع ، عن شقيق قال : أبصر حذيفة عبد الله بن مسعود حين خرج من داره فقال : ما رأيت أحدا أشبه دلا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لدن أن يخرج من داره إلى أن يدخل فيها من صاحب هذه الدار ، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه من أقربهم إلى الله عز وجل وسيلة يوم القيامة .

وكما .

حدثنا علي بن عبد الرحمن بن المغيرة قال : حدثنا يحيى بن معين قال : حدثنا غندر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي

وائل
، عن حذيفة قال : لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله عز وجل وسيلة .

[ ص: 265 ] قال أبو جعفر : ولما كان عبد الله بهذه المنزلة من الهدي ومن الدل في الدنيا ، ومن قرب الوسيلة إلى الله عز وجل يوم القيامة - كان حريا أن يتمسك بعهده الذي عاهد الله عليه ، ثم لم يزل عنه إلى أن يوافيه به يوم القيامة .

وليس ذلك بمانع أن يكون في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذه منزلته في الدنيا ومن تلك منزلته في الآخرة ، وممن يستحق من التمسك بعهده مثل الذي استحقه ابن أم عبد منه . والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية