الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة خمس وأربعمائة

[ورود الكتاب من الموقف بمكة بسلامة الناس ]

فمن الحوادث فيها :

أنه ورد الكتاب في يوم الثلاثاء الخامس من [المحرم من ] الموقف بمكة بسلامة الناس ، وتمام الحج على يدي رجلين من بني خفاجة ، فخلع عليهما ، فطيف بهما البلد فبينما [هما ] كذلك حضر رجل ذكر أن أباه ورد من مكة بهذا الكتاب ، وأن هذين البدويين اعترضاه في طريقه وقتلاه ، وأخذا الكتاب منه ، وورد به فتقدم إلى فخر الملك بالقبض عليهما ومعاقبتهما وحبسهما ، وأطلق لولد المقتول صلة .

[ورود الخبر بأن صاحب مصر حرم على النساء الخروج من منازلهن ]

وفي جمادى الآخرة : ورد الخبر بأن الحاكم صاحب مصر حظر على النساء الخروج من منازلهن والاطلاع من سطوحهن ودخول الحمامات ، ومنع الأساكفة من عمل الخفاف لهن ، وقتل عدة نسوة خالفن أمره في ذلك ، وكان الحاكم قد لهج بالركوب بالليل يطوف الأسواق ، ورتب في كل درب أصحاب أخبار يطالعونه بما يعرفونه ، ورتبوا لهم عجائز يدخلن الدور ويرفعن إليهم أخبار النساء ، وأن فلانا يحب فلانة وفلانة تحب فلانا ، وأن تلك تجتمع مع صديقها ، وهذا مع صاحبته ، فكان أصحاب الأخبار يرفعون إليه ذلك ، فينفذ من يقبض على المرأة التي سمع عنها مثل ذلك ، فإذا اجتمع عنده جماعة منهن أمر بتغريقهن ، فافتضح الناس وضجوا من ذلك ، [ ص: 102 ] فأمر برفعه والنداء بأنه متى خرجت المرأة من منزلها أباحت دمها ورأى بعد النداء عجائز ظاهرات فغرقهن ، فكانت المرأة إذا ماتت كتب وليها رقعة إلى قاضي القضاة يلتمس غاسلة تغسلها فتوقع إلى صاحب المعونة إذا صح عندك وفاة المرأة المذكورة أمرت رجلين من ثقاتك أن يحملوا الغاسلة تغسلها ، ثم تعاد إلى منزلها ثم هم بتغيير هذه السنة ، فاتفق أن مر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي ببعض المحال ، فنادته امرأة من روزنة لها ، وأقسمت عليه بالحاكم وآبائه أن يقف لها ، فوقف فبكت بكاء شديدا ، وقالت : لي أخ لا أملك غيره ، وعرفت أنه في آخر الرمق ، وأنا أقسم عليك إلا أمرت بحملي إليه لأشاهده قبل أن يقضي نحبه ، فرحمها ورق لها ، وأمر رجلين من أصحابه أن يحملاها إلى الموضع الذي تدلهما عليه ، فأغلقت باب دارها وتركت المفتاح عند جارة لها ، وقالت : سلميه إلى زوجي . ومضت إلى باب فدقته فدخلت ، وقالت للرجلين :

انصرفا ، وكانت الدار لرجل يهواها وتهواه ، فلما رآها سر بها ، فأخبرته بالحيلة التي نمت بها ، فلما انصرف زوجها آخر النهار وجد بابه مغلقا ، فسأل الجيران فأخبروه بالحال وبما جرى لها مع قاضي القضاة ، فدخل إلى بيته فبات في أقبح ليلة ، ثم باكر في غد دار قاضي القضاة فأعلن بالاستغاثة ، فأحضر فقال : أنا زوج المرأة التي فعلت أمس في بابها ما فعلته ، وما لها أخ وما أفارقك حتى تردها إلي . فعظم على قاضي القضاة ما سمعه وخاف الحاكم وسطوته إن لم يصدقه ، فركب في الحال واستصحب الرجل ، ودخل على الحاكم وهو مرعوب ، فسأله عن قصته فقال : يا أمير المؤمنين لا بد بعفوك مما تم على أمس ، قال : وما هو ؟ فشرح له الحال ، فأمر بإحضار الرجل فأدخل عليه فأخبره بالحال فأمر قاضي القضاة أن يركب ويصطحب الرجلين الذي أنفذ بهما مع المرأة حتى يرشداه إلى الدار ليشاهد ما هو عليه ، ويقبض على القوم ويحملهم ، ففعل فوجد المرأة والرجل نائمين في إزار واحد على سكر ، فحملا إلى الحاكم ، فسأل المرأة عن الحال فأحالت على الشيطان وما حسنه لها ، وسأل الرجل فقال : هذه امرأة هجمت علي وزعمت أنها خالية من زوج ، وإني لو لم أتزوجها سعت بي إليك لتقتلني ، [ ص: 103 ] فاستحللتها بموافقة جرت بيني وبينها ، فتقدم الحاكم أن تلف المرأة في بارية وتحرق ، وأن يضرب الرجل ألف سوط ، وعاد الحاكم يتشدد على النساء ويمنعهن من الظهور إلى أن قتل .

وفي يوم الاثنين لليلة بقيت من رجب : ورد أبو الحسن أحمد بن أبي الشوارب ، وقلد قضاء القضاة من الحضرة ، وذلك أنه لما توفي أبو محمد بن الأكفاني سمي فخر الملك لذلك جماعة ، وأنفذ ثبتا بأسمائهم إلى حضرة الخليفة ليكون الاختيار إليه في التعيين على من يعين عليه ، فوقع الاختيار على أبي الحسن ابن أبي الشوارب فولى .

وفي هذه السنة قلد علي بن مزيد أعمال بني دبيس بالجزيرة الأسدية ، وخلع فخر الملك أبو غالب على هلال بن بدر ، وأعاده إلى ولايته .

وفيها : عمر فخر الملك مسجد الشرقية ، ونصب عليه شبابيك من حديد ، وجرت النفقة على يدي أبي الحسن علي بن المنذر المحتسب .

التالي السابق


الخدمات العلمية