الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء الجهلة من المشركين أنهم كانوا يحرمون ويحللون من قبل أنفسهم ، من غير أن يكون الله أذن لهم بشيء من ذلك .

يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء العادلون بربهم من المشركين ، جهلا منهم ، لأنعام لهم وحرث : هذه أنعام وهذا حرث حجر يعني ب " الأنعام " و " الحرث " ما كانوا جعلوه لله ولآلهتهم ، التي قد مضى ذكرها في الآية قبل هذه .

وقيل : إن الأنعام السائبة والوصيلة والبحيرة التي سموا .

13914 - حدثني بذلك محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الأنعام : السائبة والبحيرة التي سموا . [ ص: 140 ]

و " الحجر " في كلام العرب ، الحرام . يقال : " حجرت على فلان كذا " ، أي حرمت عليه ، ومنه قول الله : ( ويقولون حجرا محجورا ) ، [ سورة الفرقان : 22 ] ، ومنه قول المتلمس :


حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها : حجر حرام ، ألا ثم الدهاريس



[ ص: 141 ] وقول رؤبة ، [ العجاج ] :


وجارة البيت لها حجري



يعني المحرم ، ومنه قول الآخر :


فبت مرتفقا ، والعين ساهرة     كأن نومي علي الليل محجور



أي حرام . يقال : " حجر " و " حجر " ، بكسر الحاء وضمها .

وبضمها كان يقرأ ، فيما ذكر ، الحسن وقتادة .

13915 - حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ] قال : حدثني أبي ، عن الحسين ، عن قتادة أنه : كان يقرؤها : " وحرث حجر " ، يقول : حرام ، مضمومة الحاء . [ ص: 142 ]

وأما القرأة من الحجاز والعراق والشام ، فعلى كسرها . وهي القراءة التي لا أستجيز خلافها ، لإجماع الحجة من القرأة عليها ، وأنها اللغة الجودى من لغات العرب .

وروي عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : " وحرث حرج " ، بالراء قبل الجيم .

13916 - حدثني بذلك الحارث قال : حدثني عبد العزيز قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن ابن عباس : أنه كان يقرؤها كذلك .

وهي لغة ثالثة ، معناها ومعنى " الحجر " واحد . وهذا كما قالوا : " جذب " و " جبذ " ، و " ناء " و " نأى " .

ففي " الحجر " ، إذا ، لغات ثلاث : " حجر " بكسر الحاء ، والجيم قبل الراء " وحجر " بضم الحاء ، والجيم قبل الراء و " حرج " ، بكسر الحاء ، والراء قبل الجيم .

وبنحو الذي قلنا في تأويل الحجر قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 143 ]

13917 - حدثني عمران بن موسى القزاز قال : حدثنا عبد الوارث ، عن حميد ، عن مجاهد وأبي عمرو : ( وحرث حجر ) ، يقول : حرام .

13918 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( وحرث حجر ) ، فالحجر . ما حرموا من الوصيلة ، وتحريم ما حرموا .

13919 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( وحرث حجر ) ، قال : حرام .

13920 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( هذه أنعام وحرث حجر ) الآية ، تحريم كان عليهم من الشياطين في أموالهم ، وتغليظ وتشديد . وكان ذلك من الشياطين ، ولم يكن من الله .

13921 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما قوله : ( وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ) ، فيقولون : حرام أن نطعم إلا من شئنا .

13922 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( هذه أنعام وحرث حجر ) ، نحتجرها على من نريد وعمن نريد ، لا يطعمها إلا من نشاء ، بزعمهم . قال : إنما احتجروا ذلك لآلهتهم ، وقالوا : لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم ) ، قالوا : نحتجرها عن النساء ، ونجعلها للرجال .

13923 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( أنعام وحرث حجر ) ، أما " حجر " ، يقول : محرم . وذلك أنهم كانوا يصنعون في الجاهلية أشياء لم يأمر الله بها ، كانوا يحرمون من أنعامهم أشياء لا يأكلونها ، ويعزلون من حرثهم شيئا معلوما لآلهتهم ، ويقولون : لا يحل لنا ما سمينا لآلهتنا .

13924 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 144 ] ابن جريج ، عن مجاهد : ( أنعام وحرث حجر ) ، ما جعلوه لله ولشركائهم .

13925 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية