الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              610 - محمد بن سعيد القرشي

              ومنهم أبو عبد الله محمد بن سعيد القرشي ، ذو البيان الشافي واللسان الوافي .

              سمعت أبا عمرو بن عثمان بن محمد العثماني يقول : قال أبو عبد الله القرشي - في كتابه شرح التوحيد في نعت المتحقق بالله في وجده به - : إن لله عبادا اختارهم من خلقه واصطفاهم لنفسه ، وانتخبهم لسره وأطلعهم على غامض وحيه ولطيف حكمته ، ومخزون علمه ، أبانهم عن أوصافهم المنتشئة عن طبائعهم ، ولم يردهم إلى علومهم المردودة إلى استخراجهم بحكم عقولهم ، ولم يخرجهم إلى المرسوم من [ ص: 338 ] حكمة حكمائهم ، بل كان هو لسانهم الذي به ينطقون ، وبصرهم الذي به يبصرون ، وأسماعهم التي بها يسمعون ، وأيديهم التي بها يبطشون ، وقلوبهم التي بها يفكرون ، وبه في جميع أوصافهم يتصرفون ، بائن عن الحلول في ذواتهم وأبدأ الأشياء فيما بينه وبينهم ، قهر كل موجود ، وغمر كل محدود ، وأفنى كل معهود ، ظهر لأهل صفوته فلم يعترضهم الشك في ظهوره ، وحققهم به فلم يطلبوا الإدراك في تحصيله ، ألبس حقائقهم لبسة البقاء ، وأشهدهم نفسه بعد الفناء ، فلم يجعل للعلم إلى كيفيته سبيلا ، ولا إلى نعت ذلك تمثيلا ، بل جعل في الأصول ، وحكم العقول على صحة ذلك علما ودليلا ، ليهديه الحق إلى ذي العقل الأصيل ، والسالك في الوجه الجميل ، وذلك قول السيد الجليل في ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : ( ما زاغ البصر وما طغى ) ، وقوله : ( ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى ) ، فقال ابن عباس - وهو من المختصين بالحكمة في التنزيل - وأسماء بنت أبي بكر : إن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه ، وكذلك رواه أنس وغيره ، وأقول في ذلك :


              لنعت لحاظ العين إن كان لحظها إلى وصفها حقا يليق ويرجع     وأثبت لحظ العين منك بلبسة
              إلهية يعنى بها الطبع أجمع     فأشهدنا ما لا يحد ظهوره
              وليس له علم به اللفظ يصدع     فلم يعترضها الشك فيما تحققت
              ولم يبق منها ما يشك ويجزع     كذا من بجمع الحق كان ظهوره
              يخلصه من طبعه ثم يجمع



              أخبرنا عبد الواحد بن بكر ، قال : حدثني أحمد بن سعيد ، قال : سمعت أبا عبد الله القرشي وسئل عن البكاء الذي يعتري العبد من أي وجه يعتريه ؟ فقال : الباكي في بكائه مستريح إلى لقائه إلا أنه منقطع راجع عما كان بينه وبينه ، فدخل عليه استراحة وشفاء ثم أنشأ يقول :


              بكيت بعين ليس تهدى دموعها     وأسعدها قلب حزين متيم
              فنوديت كم تبكي ؟ فقلت : لأنني     فقدت أوانا كنت فيه أكلم
              [ ص: 339 ] وكان جزائي منكم غير ما أرى     فقد حل بي أمر جليل معظم
              فقال : كذا من كان فينا بحظه     إذ الحظ وصف قد يبيد ويعدم
              ولكننا لا نشتكي ضر ما بنا     ونستره حتى يبين فيعلم



              قال : وسمعت أبا عبد الله القرشي وسئل عن شرط الحياء ، فقال : شرط الحياء موافقة من أنت منوط بمعونته ، فإذا استولى عليك من مشهد الحياء عين المشاهدة رجعت إليه به .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية