الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          في جر الولاء

                                                                                                                          كل من باشر العتق أو عتق عليه ، لا ينتقل عنه بحال ، فأما إن تزوج العبد معتقة ، فأولدها ، فولاء ولدها لموالي أمه ، فإن أعتق العبد سيده ، انجر ولاء ولده إليه ، ولا يعود إلى مولى الأم بحال ، وإن أعتق الجد ، لم يجر ولاءهم ، في أصح الروايتين ، وعنه : يجره وإن اشترى الابن أباه ، عتق عليه ، وله ولاء إخوته ، ويبقى ولاؤه لموالي أمه ; لأنه لا يجر ولاء نفسه ، وإن اشترى الولد عبدا ، فأعتقه ، ثم اشترى العتيق أبا معتقه ، فأعتقه ، ثبت له ولاؤه ، وجر ولاء معتقه ، وصار كل واحد منهما مولى الآخر ، ومثله لو أعتق الحربي عبدا ، ثم سبى العبد معتقه فأعتقه ، فلكل واحد منهما ولاء صاحبه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          في جر الولاء

                                                                                                                          ( كل من باشر العتق أو عتق عليه ) لسبب من الأسباب ( لا ينتقل عنه بحال ) لقوله عليه السلام : الولاء لمن أعتق ، ولأن غيره ليس مثله في النعمة ، ولأن مقتضى الدليل أن لا ينتقل حق عن مستحقه ، خولف فيمن اشترى أبا من عليه الولاء تبعا لأمهم ، فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل ( فأما إن تزوج العبد معتقة فأولدها ) فولده منها أحرار ( فولاء ولدها لموالي أمه ) لأنهم سبب الإنعام على الولد ; لكونه انعتق بعتق أمه ( فإن أعتق العبد سيده ، انجر ولاء ولده إليه ) أي : إلى معتق العبد ، في قول الجمهور من الصحابة ، ومن بعدهم ، لما روى عبد الرحمن عن الزبير ، أنه لما قدم خيبر رأى فتية لعسا ، فأعجبه ظرفهم وجمالهم ، فسأل عنهم ، فقيل : موالي رافع بن خديج ، وأبوهم مملوك لآل الحرقة ، فاشترى الزبير أباهم ، فأعتقه ، وقال لأولاده : انتسبوا إلي ، فإن ولاءكم لي ، فقال رافع : بل هو لي ، فإنهم عتقوا بعتق أمهم ، فاحتكموا [ ص: 285 ] إلى عثمان ، فقضى بالولاء للزبير ، وأجمعت عليه الصحابة ، ولأن الأب لما كان مملوكا لم يصلح وارثا ، ولا وليا في نكاح ، فكان كولد الملاعنة ، ينقطع نسبه عن أبيه ، فثبت الولاء لمولى أمه ، وانتسب إليها ، فإذا عتق العبد ، صلح للانتساب ، وعاد وارثا وليا ، فعادت النسبة إليه وإلى مواليه ، كما لو استلحق الملاعن ولده .

                                                                                                                          فائدة : اللعس سواد في الشفتين تستحسنه العرب ، ومثله اللمياء ، قال ذو الرمة :


                                                                                                                          لمياء في شفتيها حوة لعس وفي اللثات وفي أنيابها شنب

                                                                                                                          ( ولا يعود إلى موالي الأم بحال ) أي : إذا انجر الولاء إلى موالي الأب ، ثم انقرضوا ، عاد الولاء إلى بيت المال ، ولم يعد إلى موالي الأم بحال في قول أكثرهم ، وعن ابن عباس خلافه ، والأول أصح ; لأن الولاء يجري مجرى الانتساب ، ولو انقرض الأب وآباؤه ، لم يعد النسب إلى الأم ، فكذا الولاء ، فعليه لو ولدت بعد عتق الأب ، كان ولاء ولدها لموالي أبيه بغير خلاف ، فإن نفاه باللعان ، عاد ولاؤه لموالي الأم ، فإن عاد ، فاستلحقه عاد الولاء إلى موالي الأب .

                                                                                                                          فرع : حكم المكاتب يتزوج في كتابته ، فيولد له ثم يعتق ، حكم القن في جر الولاء ، وكذا المدبر ، والمعلق عتقه بصفة ; لأنهم عبيد .

                                                                                                                          أصل : اعلم أنه لا ينجر الولاء إلا بشروط ثلاثة ، أحدها : أن يكون الأب عبدا حين الولادة ، فإن كان حرا ، وزوجته مولاة ، فإن كان حر الأصل ، [ ص: 286 ] فلا ولاء على ولده بحال ، وإن كان مولى ، ثبت الولاء على ولده لمواليه أبدا ، ولا جر فيه .

                                                                                                                          الثاني : أن تكون الأم مولاة ، فإن لم تكن كذلك ، فإن كانت حرة الأصل ، فلا ولاء على ولدها بحال ، وهم أحرار بحريتها ، وإن كانت أمة ، فولدها رقيق لسيدها ، فإن أعتقهم ، فولاؤهم له مطلقا ، لا ينجر عنه بحال .

                                                                                                                          الثالث : أن يعتق العبد سيده ، فإن مات على الرق ، لم ينجر الولاء بحال ، فإن اختلف سيد العبد ومولى الأم في العبد بعد موته ، فقال سيده : مات حرا بعد جر الولاء ، وأنكر ذلك مولى الأم ، قبل قوله ; لأن الأصل بقاء الرق ، ذكره أبو بكر .

                                                                                                                          ( وإن أعتق الجد ) قبله ( لم يجر ولاءهم ، في أصح الروايتين ) قال أحمد : الجد لا يجر الولاء ، ليس هو كالأب ، ولأن الأصل بقاء الولاء لمستحقه ، وإنما خولف هذا الأصل ، للاتفاق على أنه ينجر بعتق الأب ، والجد لا يساويه ، بدليل أنه لو أعتق الأب بعد الجد جره عن مولى الجد إليه ، ولأنه لو أسلم الجد لم يتبعه ولد ولده ، ولأن الجد يدلي بغيره ، ولا يستقر الولاء عليه ، فلم يجر الولاء كالأخ ( وعنه : يجره ) أي : إلى مولاه بكل حال ، وهو قول أهل المدينة ، فإن أعتق الأب بعد ذلك جره عن موالي الجد إليه ; لأن الجد يقوم مقام الأب في التعصيب ، وأحكام النسب ، فكذا في جر الولاء ، وعليها لا فرق بين القريب والبعيد ; لأن البعيد يقوم مقام الأب كالقريب ، وعنه : إن عتق والأب ميت ، جر الولاء ، وإن عتق والأب حي ، فلا ، سواء عتق الأب أو مات قنا ، ذكرها الخلال .

                                                                                                                          [ ص: 287 ] فرع : إذا تزوج معتق بمعتقة ، فأولدها ولدين ، فولاؤهما لموالي أبيهما ، فإن نفاهما باللعان ، عاد الولاء إلى موالي أمهما ، فإن مات أحدهما ، فميراثه لأمه ومواليها ، فإن أكذب أبوهما نفسه ، لحقه نسبهما ، واسترجع الميراث من مولى الأم .

                                                                                                                          ( وإن اشترى الابن أباه ، عتق عليه ) بالملك للخبر ( وله ولاؤه ) لأنه عتق عليه بسبب شرائه ، فكان له الولاء ، كما لو باشره بالعتق ( وله ولاء إخوته ) لأنه تبع لأبيهم ( ويبقى ولاؤه لموالي أمه ) في قول جمهور الفقهاء ( لأنه لا يجر ولاء نفسه ) وشذ عمرو بن دينار ، فقال : يجره وهو بعيد ; لأنه يؤدي إلى أن يكون الولاء ثابتا على أبويه دونه ، مع كونه مولودا في حالة رقهما ، وليس لنا مثل هذا في الأصول ، ولا يمكن أن يكون مولى نفسه يعقل عنها ويرثها ويزوجها .

                                                                                                                          ( وإن اشترى الولد عبدا ، فأعتقه ، ثم اشترى العتيق أبا معتقه ، فأعتقه ، ثبت له ولاؤه ) أي : فإنه يجر ولاء سيده ، فيكون لهذا الولد على معتقه الولاء بإعتاقه إياه ( وجر ولاء معتقه ) أي : للعتيق ولاء معتقه بولائه على أبويه ( وصار كل واحد منهما مولى الآخر ) لأن الولد مولى المعتق ; لأنه أعتقه ، والمعتق مولى الولد ; لأنه أعتق أباه ، وشرطه أن يكون الولد من معتقه ; لينجر الولاء إلى المعتق بشراء أبيه ، فلو كانت حرة الأصل ، لم يكن عليه ولاء لأحد ( ومثله لو أعتق الحربي عبدا ، ثم سبى العبد معتقه ) أي أسر سيده ( فأعتقه ، فلكل واحد منهما ولاء [ ص: 288 ] صاحبه ) لأن كل واحد منهما منعم على الآخر بخلاص رقبته من الرق ، فإن سبى المسلمون العتيق الأول فرق ، ثم أعتق ، فولاؤه لمعتقه ثانيا ، وقيل : للأول ، وقيل : لهما ، فعلى الأول ، وهو الأصح : لا ينجر ما كان للأول قبل الرق من ولاء ولد ، أو عتيق إلى الأخير ، وكذا عتيق ذمي ، وقيل : أو مسلم .

                                                                                                                          مسائل : الأولى : إذا تزوج ولد المعتقة بمعتقة ، فأولدها ، فاشترى جده ، عتق عليه ، وله ولاؤه ، وولاء أبيه ، وسائر أولاد جده ، وولاء المشتري لمولى أم أبيه ، في قول الجمهور .

                                                                                                                          الثانية : إذا تزوج عبد بمعتقة ، فأولدها ، فتزوج الولد بمعتقة رجل ، فأولدها ، فولاء هذا لمولى أم أبيه في وجه ; لأن له الولاء على أبيه ، فكان له عليه ، كما لو كان مولى جده ، وفي آخر : ولاؤه لمولى أمه ; لأن الولاء الثابت على أبيه من جهة أمه ، ومثل ذلك ثابت في حق نفسه .

                                                                                                                          الثالثة : تزوج معتق بمعتقة ، فأولدها بنتا ، وتزوج عبد بمعتقة ، فأولدها ابنا ، فتزوج هذا الولد ببنت المعتقين ، فأولدها ولدا ، فولاء ولدها لمولى أم أبيه ; لأن له الولاء على أبيه ، فإن تزوجت البنت المذكورة بمملوك ، فولاء ولدها لمولى أبيها ; لأن ولاءها له ، فإن كان أبوها ابن مملوك ومعتقة ، فالولاء لمولى أم أبي الأم ، على الوجه الأول ; لأن مولى أم أبي الأم ، يثبت له الولاء على أبي الأم مقدما على أمهما ، وثبت له الولاء عليهما .




                                                                                                                          الخدمات العلمية