الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
مطلب : في كراهة nindex.php?page=treesubj&link=18413_18411مناجاة الاثنين دون الثالث حال الرفقة .
( و ) يكره كراهة تنزيه إذا كان هناك جمع ( أن يتناجى ) من المناجاة وهي المسارة ، يقال ناجاه مناجاة ساره وانتجاه خصه بمناجاته كما في القاموس وقال في النهاية : المناجي هو المخاطب للإنسان والمحدث له يقال ناجاه يناجيه مناجاة فهو مناج ، والنجي فعيل منه ، وقد تناجينا مناجاة وانتجاء ، ومنه حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=31281لا يتناجى اثنان دون الثالث } وفي رواية { لا يتناجى اثنان دون صاحبهما } أي لا يتساران منفردين عنه ، لأن ذلك يسوءه .
( الجمع ) فاعل يتناجى والمراد به اثنان فأكثر ( ما ) زائدة ( دون ) إنسان واحد ( مفرد ) لما أخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=10533إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه } وفي رواية { nindex.php?page=hadith&LINKID=523أجل إن ذلك يحزنه } بإسقاط من ، وهي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الصحيح . وفي الأدب المفرد له بإسناد الصحيح بزيادة من . قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : نطقوا بها اللفظ بإسقاط من ذكر له شاهدا ويجوز كسر همزة أن والمشهور فتحها . انتهى .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي إنما يحزنه لأجل معنيين أحدهما أنه ربما يتوهم أن نجواهما لتبييت رأي أو تدسيس غائلة له ، والثاني من أجل الاختصاص بالكرامة وهو يحزن صاحبه .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يحل لثلاثة يكونون بأرض فلاة يتناجى اثنان دون الثالث } .
قال في الآداب الكبرى : والنهي عام وفاقا للمالكية والشافعية . وخصه بعض العلماء بالسفر . وزعم بعضهم أنه منسوخ وأنه كان في أول الإسلام والله أعلم [ ص: 341 ]
( تنبيهات ) :
( الأول ) : ظاهر هذا الحديث الحرمة لا الكراهة ، فإنه متى انتفى الحل خلفه الحظر ، وجزم به النووي ، ومن ثم قال بعضهم نسخه . والمعتمد فقها يكره ذلك تنزيها والله أعلم .
( الثاني ) : مفهوم كلام الناظم لو nindex.php?page=treesubj&link=18413_18412كانوا أربعة فتناجى ثلاثة دون الرابع أن ذلك مكروه . قال في الرعاية : ويكره أن يتناجى اثنان دون ثالثهما . وفي المجرد : ولا يتناجى اثنان دون واحد . قال في الآداب : ومرادهم جماعة دون واحد اقتصر عليه . وقال الحجاوي : ولا يكره إلا إذا كانوا ثلاثة لا أربعة فأكثر . فقول الناظم الجمع يحمل على الاثنين لأنه أقل الجمع على قول .
ولا يستقيم أن يكون مراده بالجمع الثلاثة لأنه يفضي إلى الكراهة إذا كانوا أربعة واستدل لذلك بحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=10510إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث } أخرجاه وزاد أبو صالح قلت nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر فأربعة ؟ قال لا يضرك رواه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في الموطأ عن nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار وقال كنت أنا nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق فجاء رجل يريد أن يناجيه وليس مع nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أحد غيري ، فدعا nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة ، فقال لي وللرجل الثالث الذي دعا استأخرا شيئا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { لا يتناجى اثنان دون واحد فإن كانوا أربعة فيتناجى اثنان } لم يكره لقصة nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وأما أن nindex.php?page=treesubj&link=18413_18412يتناجى من الأربعة ثلاثة دون واحد فالأظهر الكراهة .
وأنت خبير بأن في كلام الحجاوي رحمه الله مسامحة في حمل كلام الناظم على ما حمله ، وهل أحد قال : إن الجمع اثنان فقط ، وإنما قالوا أقل الجمع اثنان على مذهب وهو مرجوح ، وقليل بالنسبة إلى ما قابله من أن أقل الجمع ثلاثة ، والقرآن مملوء بذلك .
وأما كون أقل الجمع اثنين إنما ورد في حجب الأم من الثلث إلى السدس . وهذا الجمع قليل جدا في كلام العرب ، لكن ما أحد قال إن الجمع لا يطلق على الثلاثة فأكثر . وصاحب الآداب الكبرى قال مرادهم جماعة دون واحد ، واستشهد بكلام الناظم ولم يذكر خلافه .
وأما استدلال الحجاوي بقصه ابن دينار مع nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ومناداته [ ص: 342 ] للرجل الرابع فلا دليل له بذلك ، فإن ظاهر كلام الناظم مشعر بذلك حيث قيد انفراد الذي لم يدخل معهما أو معهم في المناجاة ، فإن مفهومه متى كان معه واحد فأكثر لم يكره اختصاص بعض الجمع بالمناجاة ، وهذا ظاهر لا غبار عليه وهو المذهب بلا ريب ، وإنما المكروه انفراد الجمع بالمناجاة دون واحد منفرد ليس معه من يناجيه ولا يستأنس به .
ولا سيما إذا كانوا في سفر أو موضع مخيف والعلة التي ذكروها في الاثنين دون الثالث موجودة في الثلاث فأكثر دون واحد فالأظهر والله أعلم إبقاء كلام الناظم على عمومه .
وأما لفظ الحديث فهذا مفهوم عدد وقد اختلف فيه علماء الأصول هل يكون مفهومه حجة أو لا الأكثر على أنه لا مفهوم للعدد . وأيضا مراد النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم أن الثلاثة أقل ما يمكن انفراد اثنين دون واحد هذا ما ظهر لي الآن والله ولي الإحسان . ثم رأيت الحافظ ابن حجر في شرح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري صرح بما قلنا .
قال وقد نقل nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال عن أشهب عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك قال : لا يتناجى ثلاثة دون واحد ولا عشرة لأنه قد نهى أن يترك واحد . قال وهذا مستنبط من حديث الباب يعني حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود الذي ذكرناه . قال لأن المعنى في ترك الجماعة للواحد كترك الاثنين للواحد .
وقال المازري ومن تبعه : لا فرق في المعنى بين الاثنين والجماعة لوجود المعنى في حق الواحد ، زاد nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي : بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأشد فليكن المنع أولى . قال وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنه أول عدد يتصور فيه ذلك المعنى . فهما وجدا المعنى فيه ألحق به في الحكم . انتهى .
( الثالث ) : محل الكراهة ما لم يأذن الواحد المنفرد للجمع في المناجاة ، فإن أذن فلا كراهة لأن الحق له . قاله في الآداب عن بعضهم . وذكر النهي عن الإصغاء إلى من يتحدث سرا بدون إذنه . قال وإن كان إذنه استحياء فذكر صاحب النظم يكره . وقد ذكر ابن الجوزي أن من أعطى مالا حياء لم يجز الأخذ . قال في الرعاية وهو معنى ما في الفصول . انتهى .
ويتجه مثله هنا أن لو أذن لهم في المناجاة حياء منهم بأن استأذنوه فأذن لهم على جهة الحياء كره انفرادهم عنه ، ولا يكون هذا الإذن منافيا والله تعالى أعلم .