الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      للأسباب أحكام تضاف إليها

                                                      صار جمهور الحنفية إلى أن للأحكام أسبابا تضاف إليها ، والموجب في الحقيقة والشارع لها هو الله تعالى دون الأسباب ، إذ الإيجاب إلى الشارع دون غيره ونقلوا عن جمهور الأشعرية التفصيل بين العبادات وغيرها ، فالعبادات لا يضاف وجوبها إلا إلى الله وخطابه ، لأنها وجبت لله على الخلوص فيضاف إلى إيجابه ، والعقوبات وحقوق العباد أسباب يضاف وجوبها إليها ، لأنها حاصلة بكسب العبد ، وعلى هذا جوزوا إضافة العبادات المالية إلى الأسباب أيضا . [ ص: 9 ]

                                                      وفي المسألة قول ثالث : وهو إنكار الأسباب أصلا .

                                                      وقالوا : الحكم في المنصوص عليه ثابت بظاهر النص وفي غيره بالوصف المجعول علة ، ويكون ذلك أمارة لثبوت حكم شرعي بإيجابه تعالى .

                                                      قالوا : لأن الموجب للأحكام والشارع لها هو الله تعالى ، وفي إضافة الإيجاب إلى غيره ، وهو الأسباب قطعه عنه ، وذلك لا يجوز ، لكنه يقال : حصل ببعض الأوصاف أمارة على حكم الفرع ، فيقال لها : أسباب أو علل موجبة مجازا ، لظهور الأحكام عندها .

                                                      قيل : والتحقيق : أن الخلاف لفظي للإجماع على أن الموجب في الحقيقة هو الله تعالى لا غير ، وعلى أن هذه الأسباب معرفات لحكم الله لا موجبة بذاتها ، فلم يبق الخلاف إلا في اللفظ .

                                                      قلت : اتفق الأشعرية على أنه ليس السبب موجبا للحكم لذاته أو لصفة ذاتية بل المراد منه إما المعرف وعليه الأكثرون ، وإما الموجب لا لذاته ولا لصفة ذاتية ولكن بجعل الشرع إياه موجبا وهو اختيار الغزالي ، وصارت المعتزلة إلى القول بالتأثير .

                                                      وينبني الخلاف على أنه يعقل تأثير من غير أن يكون المؤثر مؤثرا بذاته ، أو بصفة قائمة به ، أو لا يعقل ذلك ؟ وعليه يبنى كون العبد موجدا لفعل نفسه بإقدار الله تعالى أو خلقه له ما يقتضي تأثيره في الفعل من غير أن يكون العبد مؤثرا بذاته أو بصفة ذاتية ، فأصحابنا ينكرون ذلك ، ويقولون : الصادر عنه فعل الله ، والمعتزلة لا ينكرونه .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية