الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1863 - مسألة : ولا يجوز للولد زواج امرأة أبيه ، ولا من وطئها بملك اليمين أبوه وحلت له ، ولا يحل له وطؤها ، أو التلذذ منها بزواج أو بملك يمين ، وله تملكها ، إلا أنها لا تحل له أصلا .

                                                                                                                                                                                          وكذلك لا يحل للرجل زواج امرأة ولا وطؤها بملك اليمين إذا كانت المرأة ممن حل لولده وطؤها أو التلذذ منها بزواج أو بملك يمين أصلا .

                                                                                                                                                                                          والجد في كل ما ذكرنا - وإن علا من قبل الأب أو الأم - كالأب ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          وابن الابن وابن الابنة - وإن سفلا - كالابن في كل ما ذكرنا ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما من عقد فيها الرجل زواجا فلا خلاف في تحريمها في الأبد على أبيه وأجداده ، وعلى بنيه وعلى من تناسل من بنيه وبناته أبدا .

                                                                                                                                                                                          وأما من حلت للرجل بملك اليمين ، فإن وطئها فلا نعلم خلافا في تحريمه على من ولد ، وعلى من ولده - وفيما لم يطأها خلاف نذكر منه - إن شاء الله عز وجل - ما تيسر لنا ذكره من ذلك - : [ ص: 138 ] ذكرت طائفة أنها تحرم على ولده وآبائه بتجريده لها فقط .

                                                                                                                                                                                          كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول قال : جرد عمر بن الخطاب جارية فنظر إليها ثم نهى بعض ولده أن يقربها .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة نا الحجاج بن أرطاة عن مكحول : أن عمر اشترى جارية فجردها ونظر إليها فقال له ابنه : أعطنيها ، فقال : إنها لا تحل لك ، إنما يحرمها عليك النظر والتجريد .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا فضيل عن هشام - هو ابن حسان - عن الحسن البصري قال : إن جردها الأب حرمها على الابن ، وإن جردها الابن حرمها على الأب .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا صحيح عن الحسن ، ولا يصح عن عمر ، لأنه من طريق مكحول - وهو منقطع .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : لا يحرمها إلا اللمس والنظر - : كما روينا من طريق سعيد بن منصور عن فضيل عن هشام عن ابن سيرين أن مسروقا قال في مرضه الذي مات فيه : إن جاريتي هذه لم يحرمها عليكم إلا اللمس والنظر قال سعيد : ونا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه أن مسروقا قال عند موته عن جارية له : لم أصب منها إلا ما حرمها على ولدي اللمس والنظر .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : يحرم الوالد على ولده ، والولد على والده أن يقبلها أو يضع يده على فرجها ، أو فرجه على فرجها أو يباشرها .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة عن إبراهيم قال : كانوا يرون أن القبلة واللمس يحرم : الأم والبنت - وهو قول ابن أبي ليلى ، والشافعي ، وأصحابه .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : يحرمها على الولد والوالد النظر - : كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو شهاب عن يحيى بن سعيد - هو الأنصاري - عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن ربيعة أن أباه ربيعة - وكان بدريا - أوصى بجارية له أن لا يقربها بنوه وقال : لم أصب منها شيئا إلا أني نظرت منظرا أكره أن ينظروه منها .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 139 ] قال أبو محمد : هذا وهم من أبي شهاب ، إنما هو عبد الله بن عامر بن ربيعة كذا رويناه من طرق شتى - : منها - من طريق سعيد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عبد الله ، وعبد الرحمن - ابني عامر بن ربيعة - وكان أبوهما بدريا - أنه أوصى بجارية له أن يبيعوها ولا يقربوها كأنه اطلع منها مطلعا كره أن يطلعوا منها على مثل ما اطلع .

                                                                                                                                                                                          وذهبت طائفة - إلى أن اللمس لشهوة ، أو النظر إلى فرجها لشهوة يحرمها ، كما روينا من طريق عبد الرزاق عن أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال : " إذا قبل الرجل المرأة من شهوة أو مس أو نظر إلى فرجها لم تحل لأبيه ، ولا لابنه " .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال : إذا نظر الرجل إلى فرج امرأة من شهوة لم تحل لأبيه ، ولا لابنه - وبهذا يقول أبو حنيفة .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : إذا نظر إلى شيء من محاسنها لشهوة حرمت في الأبد على الولد ، كالساق ، والشعر ، والصدر ، وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                          وقال سفيان : إذا نظر إلى فرجها حرمت على ولده .

                                                                                                                                                                                          وقال طائفة : مثل قولنا - : كما روينا من طريق أبي عبيد نا أبو اليمان عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن مكحول قال : أيهما ملك عقدتها فقد حرمت على الآخر - يعني الأب والابن .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أبي عبيد نا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن ابن شهاب الزهري قال : إذا ملك الرجل عقدة المرأة حرمت على أبيه وابنه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : من ملك الرقبة فقد ملك العقدة .

                                                                                                                                                                                          ونا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن محمد المحاربي قال : [ ص: 140 ] سمعت ليث بن أبي سليم يقول عن الحكم بن عتيبة قال : من ملك جارية ملكها أبوه قبله لم يحل له فرجها .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : لا يحرمها على الولد إلا الوطء فقط - : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري ، وقتادة ، قالا جميعا : لا يحرمها عليهم إلا الوطء - يعنيان إماء الآباء على الأبناء .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما من حرمها بالمس للشهوة دون ما دون ذلك ، أو بالنظر إلى الفرج خاصة دون ما دون ذلك ، أو بالنظر إلى محاسنها لشهوة دون ما عدا ذلك ، فأقوال لا دليل على صحة شيء منها ، إنما هي آراء مجردة لا يؤيدها قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية ساقطة ، ولا قياس .

                                                                                                                                                                                          وأما صحة قولنا - : فللخبر الذي حدثناه أحمد بن قاسم نا قاسم بن محمد بن قاسم ، قال : نا جدي قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا عبد الله بن جعفر نا عبد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء عن أبيه { البراء بن عازب قال : لقيني عمي ومعه راية ، فقلت : أين تريد ؟ قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : الأمة الحلال للرجل امرأة له وطئها أو لم يطأها ، نظر إليها ، أو لم ينظر إليها ، وقال الله عز وجل ، { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } والحلائل جمع حليلة ، والحليلة فعيلة من الحلال ، فكل امرأة حلت لرجل فهي حليلة له - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية