الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1056 [ ص: 221 ] ( 2 ) باب ما يجوز من الذكاة في حال الضرورة

                                                                                                                        1013 - مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار أن رجلا من [ ص: 222 ] الأنصار ، من بني حارثة ، كان يرعى لقحة له بأحد . فأصابها الموت . فذكاها بشظاظ . فسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك . فقال : ليس بها بأس ، فكلوها .

                                                                                                                        1014 - مالك عن نافع ، عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد ، أو سعد بن معاذ ، أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما لها بسلع . فأصيبت شاة منها . [ ص: 223 ] فأدركتها ، فذكتها بحجر . فسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك . فقال لا بأس بها فكلوها .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        21660 - قال أبو عمر : أما حديثه الأول : عن زيد بن أسلم ، فلم يختلف عنه في إرساله على ما في " الموطأ " .

                                                                                                                        21661 - وقد ذكره البزار مسندا . فقال : حدثنا محمد بن معمر ، قال : حدثني حبان بن هلال ، قال : حدثني جرير بن حازم ، عن أيوب ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم . [ ص: 224 ] 21662 - وذكره - السراج محمد بن إسحاق أبو العباس ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش ، قال : حدثنا حبان بن هلال ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، قال : حدثنا أيوب ، عن زيد بن أسلم فلقيت زيد بن أسلم فحدثني عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري قال : كانت لرجل من الأنصار ناقة [ ص: 225 ] ترعى في قبلي أحد ، فنحرها بوتد ، فقلت لزيد : وتد من حديد ، أو خشب قال : بلى من خشب ، وأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله ، فأمره بأكلها .

                                                                                                                        21663 - قال أبو عمر : اللقحة : الناقة ذات اللبن ، والشظاظ : العود الحديد الطرف .

                                                                                                                        21664 - كذا قال أهل اللغة .

                                                                                                                        21665 - وقد روى هذا الحديث يعقوب بن جعفر ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، فقال فيه : فأخذها الموت ، فلم يجد شيئا ينحرها به ، فأخذ وتدا ، فوجأ في لبتها حتى أهراق دمها ، ثم جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك ، فأمره بأكلها .

                                                                                                                        21666 - فعلى هذا الحديث ، وحديث جرير بن حازم : الشظاظ : الوتد .

                                                                                                                        21667 - وتفسير أهل اللغة أبين .

                                                                                                                        [ ص: 226 ] 21668 - وقال بعضهم الشظاظ : هو العود الذي يجمع به بين عروتي الغرارتين على ظهر الدابة ، واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت

                                                                                                                        بحال العروتين من الشظاظ

                                                                                                                        .

                                                                                                                        21669 - وقال الخليل : الشظاظ : خشبة عقفاء محددة الطرف .

                                                                                                                        21670 - قال أبو عمر ، : التذكية بالشظاظ إنما تكون فيما ينحر ، لا فيما يذبح ; لأنه كطرف السنان .

                                                                                                                        21671 - وفي هذا الحديث من الفقه : إباحة تذكية ما نزل به الموت من الحيوان المباح أكله : كانت حياته ترجي ، أو لا ترجى إذا كانت فيه حياة معلومة حين الذكاة ; لأن في الحديث : فأصابها الموت .

                                                                                                                        21672 - وفيه : فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأكلها ، ولم يسأله عن شيء .

                                                                                                                        21673 - وقد اختلف الفقهاء في ذكاة ما نزل به الموت من الأنعام مثل المتردية ، والنطيحة ، والموقوذة ، وأكيلة السبع ، والمنخنقة : 21674 - فقال أبو قرة موسى بن طارق : سألت مالكا عن المتردية ، [ ص: 227 ] والمفروسة تدرك ذكاتها ، وهي تتحرك فقال : لا بأس بها إذا لم يكن قطع رأسها ، أو نثر بطنها .

                                                                                                                        21675 - قال : وسمعت مالكا يقول : إذا غير ما بين المنحر إلى المذبح لم تؤكل .

                                                                                                                        21676 - وفي المستخرجة ، لمالك ، وابن القاسم أن ما فيه الحياة ، وإن كان لا يعيش ، ولا يرجى له بالعيش يذكى ، ويؤكل في ذلك .

                                                                                                                        21677 - وقال الليث بن سعد : إذا كانت حية ، وأخرج السبع بطنها أكلنا ، إلا ما بان منها .

                                                                                                                        21678 - وهو قول ابن وهب ، وهو الأشهر من مذهب الشافعي .

                                                                                                                        21679 - وبه قال إسحاق بن راهويه .

                                                                                                                        21680 - قال المزني ; وأحفظ للشافعي قولا آخر : أنها لا تؤكل إذا بلغ [ ص: 228 ] منها السبع ، أو التردي إلى ما لا حياة معه .

                                                                                                                        21681 - قال المزني : وهو قول المدنيين .

                                                                                                                        21682 - وقال أبو حنيفة : في كل ما تدركه ذكاته ، وفيه حياة ما كانت الحياة بأنه ذكي إذا ذكي قبل أن يموت .

                                                                                                                        21683 - وروى الشعبي ، عن الحارث ، عن علي - رضي الله عنه - قال : إذا أدركت ذكاة الموقوذة ، أو المتردية ، أو النطيحة ، وهي تحرك يدا ، أو رجلا ، فكلها .

                                                                                                                        21684 - وكان الشعبي ، وإبراهيم النخعي ، وعطاء ، وطاوس ، والحسن ، وقتادة ، كل هؤلاء يقول في قوله تعالى : إلا ما ذكيتم [ المائدة : 3 ] إذا أطرفت بعينيها ، أو مصعت بذنبها ، يعني حركته ، وضربت به ، أو ركضت برجلها فذكيته ، فقد أحل الله لك ذلك .

                                                                                                                        21685 - وذكره عن أصحابه .

                                                                                                                        21686 - وهو قول أبي هريرة ، وابن عباس .

                                                                                                                        [ ص: 229 ] 21687 - وإليه ذهب ابن حبيب ، وذكره عن أصحاب مالك .

                                                                                                                        21688 - وروى ابن عيينة ، وشريك وجرير ، عن الركين بن الربيع ، عن أبي طلحة الأسدي ، قال سألت ابن عباس عن ذئب عدا على شاة فشق بطنها حتى انتثر ، فسقط منه شيء إلى الأرض ؟ فقال : كل وما انتثر من بطنها ، فلا تأكل .

                                                                                                                        21689 - وسنزيد هذا المعنى بيانا في باب ما يكره في الذبيحة من الذكاة بعد هذا إن شاء الله .

                                                                                                                        21690 - وقد أشبعنا هذا الباب بالآثار وأقاويل أهل التفسير ، وفقهاء الأمصار في معنى قول الله - عز وجل - : إلا ما ذكيتم المائدة : 3 ، في " التمهيد " ، والحمد لله .

                                                                                                                        21691 - وأما حديثه عن نافع في هذا الباب ، ففيه ، وفي الذي قبله دليل على أن كل ما أنهر الدم ، وفرى الأوداج والحلقوم جازت به الذكاة .

                                                                                                                        21692 - حدثني سعيد بن نصر ، قال : حدثني قاسم ، حدثني محمد ، قال : حدثني أبو بكر ، قال : حدثني أبو الأحوص ، عن عاصم ، عن الشعبي ، عن [ ص: 230 ] محمد بن صيفي ، قال : ذبحت أرنبين بمروة ، ثم أتيت بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرني بأكلهما .

                                                                                                                        21693 - قال أبو عمر : المروة فوق الحجر .

                                                                                                                        21694 - وفي حديث مالك ، عن نافع : فذكيتهما الحجر .

                                                                                                                        21695 - وفي حكم الحجر كل ما قطع ، وفرى وأنهر الدم ما خلى السن والعظم .



                                                                                                                        21696 - وقد ذكرنا في التمهيد ، حديث عدي بن حاتم مسندا أنه قال : يا رسول الله أرأيت إن أصاب أحدنا صيدا ، وليس معه سكين ، أيذبح بالمروة ، وبشقة العصا ؟ فقال : أنزل الدم بما شئت ، واذكر اسم الله تعالى .

                                                                                                                        [ ص: 231 ] 21697 - وروي عن سعيد بن المسيب : ما ذبح بالليطة ، والشطير ، والظرر ، فحل ، ذكي .

                                                                                                                        21698 - قال أبو عمر : الظرر : حجر له حد ، والليطة : فلقة القصب ، لها حد ، والشطير : فلقة العود الحادة .

                                                                                                                        21699 - وروي عن النبي من حديث رافع بن خديج ، قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله إنا نلقى العدو غدا ، وليس معنا مدى أنذكي بالليط ؟ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه ، فكلوا ، ما لم يكن سنا أو ظفرا ، وسأحدثكم عن ذلك : أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة ، وذكر الحديث ، وقد تقدم ذكره . [ ص: 232 ] في " التمهيد " .

                                                                                                                        21700 - فإذا جازت التذكية بغير الحديد جازت بكل شيء ، إلا أن يجتمع على شيء ، فيكون مخصوصا .

                                                                                                                        21701 - وعلى هذا مذهب مالك وأصحابه ، وأبي حنيفة وأصحابه ، والشافعي وأصحابه .

                                                                                                                        21702 - والسن والظفر المنهي عن التذكية بهما عندهم هما غير المنزوعين ، لأن ذلك يصير خنقا .

                                                                                                                        21703 - وكذلك قال ابن عباس - رضي الله عنه - : ذلك الخنق .

                                                                                                                        21704 - فأما السن والظفر المنزوعان إذا فريا الأوداج ، فجائز الذكاة بهما عندهم .

                                                                                                                        [ ص: 233 ] 21705 - وقد كره قوم : السن ، والظفر ، والعظم على كل حال ، منزوعة ، وغير منزوعة ، منهم : إبراهيم ، والحسن بن حي ، والليث بن سعد .

                                                                                                                        21706 - وروي ذلك أيضا عن الشافعي .

                                                                                                                        21707 - وحجتهم ظاهر حديث رافع بن خديج المذكور في هذا الباب .

                                                                                                                        21708 - وأما حديثه عن نافع ، فقد ذكرنا الاختلاف فيه في " التمهيد " .

                                                                                                                        21709 - وأما سلع فيروى بتسكين اللام ، وتحريكها .

                                                                                                                        21710 - وأكثر الرواة يحركونها ، بالفتح .

                                                                                                                        21711 - وأظن الشاعر في قوله :

                                                                                                                        إن بالشعب الذي دون سلع لقتيلا دمه ما يطل

                                                                                                                        . [ ص: 234 ] خفف الحركة ، وهو جائز في اللغة .

                                                                                                                        21712 - وفيه أيضا من الفقه : إجازة ذبح المرأة ، وعلى إجازة ذلك جمهور العلماء بالحجاز والعراق .

                                                                                                                        21713 - وقد روي عن بعضهم أن ذلك لا يجوز إلا على حال الضرورة .

                                                                                                                        21714 - وأكثرهم يجيزون ذلك ، وإن لم تكن ضرورة إذا أحسنت الذبح .

                                                                                                                        21715 - وكذلك الصبي إذا أطاق الذبح .

                                                                                                                        21716 - وهذا كله قول مالك ، والشافعي ، وأهل الحجاز ، وقول أبي حنيفة ، والثوري ، وأهل العراق ، وقول الليث بن سعد وأحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                        21717 - وروي عن جماعة من الصحابة ، والتابعين ، قد ذكرناهم في التمهيد .

                                                                                                                        21718 - وقال ابن عباس : من ذبح من صغير أو كبير ، أو ذكر ، أو أنثى ، فكل .

                                                                                                                        21719 - وأما التذكية بالحجر ، فقد مضى القول في ذلك .

                                                                                                                        21720 - واستدل جماعة من أهل العلم بهذا الحديث على صحة ما ذهب إليه [ ص: 235 ] فقهاء الأمصار ، وهم : مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، والثوري من جواز كل ما ذبح بغير إذن مالكه .

                                                                                                                        21721 - وردوا بهذا الحديث ، وما كان مثله على من أبى من أكل ذبيحة السارق ، والغاصب .

                                                                                                                        21722 - فممن ذهب إلى تحريم أكل ذبيحة السارق ، والغاصب ، ومن أشبههما : إسحاق بن راهويه ، وداود بن علي ، وتقدمهما إلى ذلك عكرمة وهو قول شاذ عنهم .

                                                                                                                        21723 - وقد ذكر ابن وهب في " موطئه " بإثر حديث مالك ، عن نافع هذا ، قال ابن وهب : وأخبرني أسامة بن زيد الليثي ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها ، فلم ير بها بأسا .

                                                                                                                        21724 - ومما يؤيد هذا المذهب حديث عاصم بن كليب الجرمي ، عن أبيه ، عن رجل من الأنصار ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشاة التي ذبحت بغير إذن ربها ؟ فقال [ ص: 236 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أطعموها الأسارى " ، وهم ممن تجوز عليهم الصدقة مثلها ، ولو لم تكن ذكية ما أطعمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        21725 - والحديث حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني أحمد بن زهير ، قال : حدثني موسى بن إسماعيل ، قال : حدثني عبد الواحد بن زياد ، عن عاصم بن كليب ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني رجل من الأنصار ، قال : خرجت مع أبي ، وأنا غلام مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلقانا رجل ، فقال : يا رسول الله فلانة تدعوك ، وأصحابك إلى طعام ، فانطلق النبي - عليه السلام - ونحن معه ، فقعدت مقاعد الغلمان من آبائهم ، فجيء بالطعام ، قال : فلما وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده ، وضعنا أيدينا ، وضعوا أيديهم ، فنظر القوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلوك أكله ، فكفوا أيديهم ، قال : فلاك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأكلة ثم لفظها ، ورمى بها ، وقال : إنه لحم شاة ، أخذت بغير إذن أهلها ، فقالت المرأة : يا رسول الله كنت أريد أن أجمعك أنت ، وأصحابك على طعام ، فبعثت إلى العقيق اليوم ، قالت : إلى العقيق النقيع ، فلم أجد شاة تباع ، فبعث إلي أخي عابد بن أبي وقاص ، وقد اشترى شاة أمس ، فقلت : إني كنت بطالبة شاة اليوم ، فلم أجد ، فابعث لي بشاتك التي اشتريت أمس ، فلم يكن أخي ثم ، فدفع إلى أهله الشاة ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : اذهبوا به ، فأطعموه الأسارى .




                                                                                                                        الخدمات العلمية