الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2822 [ ص: 24 ] باب بيع الخيار

                                                                                                                              وقال النووي: ( باب ثبوت خيار المجلس، للمتبايعين ) .

                                                                                                                              ولفظ المنتقى: (باب إثبات خيار المجلس ) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص174-175 ج10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا تبايع الرجلان، فكل واحد منهما بالخيار، ما لم يتفرقا، وكانا جميعا، أو يخير أحدهما الآخر.

                                                                                                                              فإن خير أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك: فقد وجب البيع. وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع: فقد وجب البيع"
                                                                                                                              .].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عمر "رضي الله عنهما"، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنه قال: "إذا تبايع الرجلان، فكل واحد منهما بالخيار". ) بكسر المعجمة: اسم من الاختيار، أو التخيير. وهو طلب خير الأمرين: من إمضاء البيع، أو فسخه.

                                                                                                                              [ ص: 25 ] والمراد بالخيار هنا: خيار المجلس.

                                                                                                                              (ما لم يتفرقا، وكانا جميعا ) .

                                                                                                                              هذا الحديث: دليل لثبوت خيار المجلس، لكل واحد من المتبايعين، بعد انعقاد البيع، حتى يتفرقا من ذلك المجلس بأبدانهما. لا بأقوالهما. وبهذا قال جماهير العلماء، من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، والشافعي، وأحمد، والبخاري، وسائر المحدثين.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يثبت خيار المجلس، بل يلزم البيع بنفس الإيجاب والقبول. وبه قال ربيعة. وحكي عن النخعي. وهو رواية عن الثوري.

                                                                                                                              قال النووي: وهذه الأحاديث الصحيحة: ترد على هؤلاء، وليس لهم عنها: جواب صحيح. والصواب: ثبوته، كما قال الجمهور. والله أعلم. انتهى.

                                                                                                                              قال ابن حزم: لا يعرف لهم "أي: للصحابة": مخالف من التابعين. إلا النخعي وحده. ولا نعلم لهم سلفا، إلا إبراهيم وحده. انتهى.

                                                                                                                              ولمن قال: لا خيار: أجوبة عن حديث الباب؛

                                                                                                                              فمنهم: من رده، لكونه معارضا مما هو أقوى منه. نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "المسلمون على شروطهم". والخيار بعد العقد: يفسد الشرط.

                                                                                                                              [ ص: 26 ] وما في معناه: من الأحاديث الأخرى، الأجنبية عن المقام. وإنها على فرض شمولها لمحل النزاع: أعم مطلقا. فيبنى العام على الخاص. والمصير إلى الترجيح، مع إمكان الجمع: غير جائز.

                                                                                                                              ومنهم: من قال: إن أحاديث الخيار منسوخة.

                                                                                                                              قال في الفتح: ولا حجة في شيء من ذلك. لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال.

                                                                                                                              وقال بعضهم: إن إثباته، مخالف للقياس الجلي؛ في إلحاق ما قبل التفرق بما بعده. وهو قياس فاسد الاعتبار، لمصادمته النص.

                                                                                                                              وقد ذكرنا هنا: ما كان يحتاج منها إلى الجواب. وتركنا: ما كان ساقطا.

                                                                                                                              فمن أحب المزيد: فليرجع إلى النيل ونحوه، من المطولات.

                                                                                                                              والمشهور الراجح، من مذاهب العلماء، في حد التفرق بالأبدان: أن ذلك موكول إلى العرف. فكل ما عد في العرف تفرقا: حكم به. وما لا: فلا.

                                                                                                                              (أو يخير ) بإسكان الراء، عطفا على قوله: ما لم يتفرقا. ويحتمل: نصب الراء، على أن (أو ) بمعنى: (إلا أن ) ، [ ص: 27 ] كما قيل: إنها كذلك، في قوله: "أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر".

                                                                                                                              (أحدهما الآخر ) أي: يقول له: "اختر إمضاء البيع"، قبل التفرق. فيلزم البيع. وبطل اعتبار التفرق.

                                                                                                                              وقيل: معناه: يشترط الخيار مدة معينة. فلا ينقضي الخيار بالتفرق. بل يبقى حتى تمضي المدة.

                                                                                                                              والأول هو الراجح، وهو المنصوص للشافعي. ونقلوه عنه. وأبطل كثير منهم: ما سواه. وغلطوا قائله.

                                                                                                                              قال النووي: وممن رجحه من المحدثين: البيهقي. ثم بسط دلائله، وبين ضعف ما يعارضها. انتهى.

                                                                                                                              (فإن خير أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك: فقد وجب البيع (أي: لزم وانبرم.

                                                                                                                              فإن خير أحدهما الآخر، فسكت: لم ينقطع خيار الساكت.

                                                                                                                              وفي انقطاع خيار القائل وجهان؛

                                                                                                                              أصحهما: الانقطاع، لظاهر لفظ الحديث.

                                                                                                                              (وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع: فقد وجب البيع ) . وهذا من الوضوح، مكان لا يخفى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية