الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) . وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : الأمنية أفعولة من المنية ، وتمام الكلام في هذا اللفظ مذكور في قوله تعالى : ( إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ) [الحج : 52] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : ليس : فعل ، فلا بد من اسم يكون هو مسندا إليه ، وفيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : ليس الثواب الذي تقدم ذكره والوعد في قوله : ( سندخلهم جنات تجري ) الآية ، بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ، أي [ ص: 42 ] ليس يستحق بالأماني إنما يستحق بالإيمان والعمل الصالح .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : ليس وضع الدين على أمانيكم .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : ليس الثواب والعقاب بأمانيكم ، والوجه الأول أولى ؛ لأن إسناد " ليس " إلى ما هو مذكور فيما قبل أولى من إسناده إلى ما هو غير مذكور .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : الخطاب في قوله : ( ليس بأمانيكم ) خطاب مع من ؟ فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه خطاب مع عبدة الأوثان ، وأمانيهم : أن لا يكون هناك حشر ، ولا نشر ، ولا ثواب ، ولا عقاب ، وإن اعترفوا به لكنهم يصفون أصنامهم بأنها شفعاؤهم عند الله ، وأما أماني أهل الكتاب فهو قولهم : ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) [البقرة : 111] . وقولهم : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) [المائدة : 18] فلا يعذبنا ، وقولهم : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) [البقرة : 80] .

                                                                                                                                                                                                                                            القول الثاني : أنه خطاب مع المسلمين ، وأمانيهم أن يغفر لهم وإن ارتكبوا الكبائر ، وليس الأمر كذلك ، فإنه تعالى يخص بالعفو والرحمة من يشاء ، كما قال : ( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [النساء : 116] . وروي أنه تفاخر المسلمون وأهل الكتاب ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونحن أولى بالله منكم ، وقال المسلمون : نبينا خاتم النبيين ، وكتابنا ناسخ الكتب ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية