الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قال مسروق : لما نزل قوله : ( من يعمل سوءا يجز به ) . قال أهل الكتاب للمسلمين : نحن وأنتم سواء ، فنزلت هذه الآية إلى قوله : ( ومن أحسن دينا ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ ابن كثير ، وأبو بكر عن عاصم : " يدخلون الجنة " بضم الياء وفتح الخاء على ما لم يسم فاعله ، وكذلك في سورة مريم وفي حم المؤمن ، والباقون : بفتح الياء ، وضم الخاء في هذه السور جميعا على أن الدخول مضاف إليهم ، وكلاهما حسن ، والأول أحسن ؛ لأنه أفخم ، ويدل على مثيب أدخلهم الجنة ويوافق : ( ولا يظلمون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما القراءة الثانية فهي مطابقة لقوله تعالى : ( ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم ) [الزخرف : 70] ، ولقوله : ( ادخلوها بسلام ) [الحجر : 46] . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قالوا : الفرق بين " من " الأولى والثانية ، أن الأولى للتبعيض ، والمراد : من يعمل بعض الصالحات ؛ لأن أحدا لا يقدر على أن يعمل جميع الصالحات ، بل المراد أنه إذا عمل بعضها حال كونه مؤمنا استحق الثواب .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن هذه الآية من أدل الدلائل على أن صاحب الكبيرة لا يبقى مخلدا في النار ، بل ينقل إلى الجنة ؛ وذلك لأنا بينا أن صاحب الكبيرة مؤمن ، وإذا ثبت هذا فنقول : إن صاحب الكبيرة إذا كان قد صلى وصام وحج وزكى وجب بحكم هذه الآية أن يدخل الجنة ، ولزم بحكم الآيات الدالة على وعيد الفساق أن يدخل النار ، فأما أن يدخل الجنة ، ثم ينقل إلى النار فذلك باطل بالإجماع ، أو يدخل النار ثم ينقل إلى الجنة فذلك هو الحق الذي لا محيد عنه والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 45 ] المسألة الثالثة : النقير : نقرة في ظهر النواة منها تنبت النخلة ، والمعنى : أنهم لا ينقصون قدر منبت النواة .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : كيف خص الله الصالحين بأنهم لا يظلمون مع أن غيرهم كذلك كما قال : ( وما ربك بظلام للعبيد ) [ فصلت : 46 ] ، وقال : ( وما الله يريد ظلما للعالمين ) [آل عمران : 108] .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن يكون الراجع في قوله : ( ولا يظلمون ) عائدا إلى عمال السوء وعمال الصالحات جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن كل ما لا ينقص عن الثواب كان بأن لا يزيد في العقاب أولى هذا هو الحكم فيما بين الخلق ، فذكر الله تعالى هذا الحكم على وفق تعارف الخلق .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية