الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم ( 2 ) وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير ( 3 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      ( قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) أي بين وأوجب أن تكفروها إذا حنثتم وهي ما ذكر في سورة المائدة ( والله مولاكم ) وليكم وناصركم ( وهو العليم الحكيم )

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف أهل العلم في لفظ التحريم ، فقال قوم : ليس هو بيمين ، فإن قال لزوجته : أنت علي حرام ، أو حرمتك ، فإن نوى به طلاقا فهو طلاق ، وإن نوى به ظهارا فظهار . وإن نوى تحريم ذاتها أو أطلق فعليه كفارة اليمين بنفس اللفظ . وإن قال ذلك لجاريته فإن نوى عتقا عتقت ، وإن نوى تحريم ذاتها أو أطلق فعليه كفارة اليمين ، وإن قال لطعام : حرمته على نفسي فلا شيء عليه ، وهذا قول ابن مسعود وإليه ذهب الشافعي .

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب جماعة إلى أنه يمين ، فإن قال ذلك لزوجته أو جاريته فلا تجب عليه الكفارة ما لم يقربها كما لو حلف أن لا يطأها . وإن حرم طعاما فهو كما لو حلف أن لا يأكله ، فلا كفارة عليه ما لم يأكل ، يروى ذلك عن أبي بكر وعائشة وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة رضي الله عنه :

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا معاذ بن فضالة ، حدثنا هشام عن يحيى ، عن ابن حكيم ، وهو يعلى بن حكيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في الحرام : يكفر . وقال ابن عباس : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " ( الأحزاب - 21 ) . ( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) وهو تحريم فتاته على نفسه ، وقوله لحفصة : لا تخبري بذلك أحدا . [ ص: 164 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : أسر أمر الخلافة بعده فحدثت به حفصة . قال الكلبي : أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتين على أمتي من بعدي . وقال ميمون بن مهران : أسر أن أبا بكر خليفتي من بعدي .

                                                                                                                                                                                                                                      ( فلما نبأت به ) أخبرت به حفصة عائشة ( وأظهره الله عليه ) أي أطلع الله تعالى نبيه على أنها أنبأت به ( عرف بعضه ) قرأ عبد الرحمن السلمي والكسائي : " عرف " بتخفيف الراء ، أي : عرف بعض الفعل الذي فعلته من إفشاء سره ، أي : غضب من ذلك عليها وجازاها به ، من قول القائل لمن أساء إليه : لأعرفن لك ما فعلت ، أي : لأجازينك عليه ، وجازاها به عليه بأن طلقها فلما بلغ ذلك عمر قال : لو كان في آل الخطاب خير لما طلقك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فجاء جبريل وأمره بمراجعتها واعتزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهرا وقعد في مشربة أم إبراهيم مارية ، حتى نزلت آية التخيير .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مقاتل بن حيان : لم يطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حفصة وإنما هم بطلاقها فأتاه جبريل عليه السلام ، وقال : لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وإنها من نسائك في الجنة ، فلم يطلقها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الآخرون " عرف " بالتشديد ، أي : عرف حفصة بعد ذلك الحديث ، أي أخبرها ببعض القول الذي كان منها .

                                                                                                                                                                                                                                      ( وأعرض عن بعض ) يعني لم يعرفها إياه ، ولم يخبرها به . قال الحسن : ما استقصى كريم قط قال الله تعالى : ( عرف بعضه وأعرض عن بعض ) وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى الكراهية في وجه حفصة أراد أن يتراضاها فأسر إليها شيئين : تحريم الأمة على نفسه ، وتبشيرها بأن الخلافة بعده في أبي بكر وفي أبيها عمر رضي الله عنها فأخبرت به حفصة عائشة وأطلع الله تعالى نبيه عليه ، عرف [ بعضه ] حفصة وأخبرها ببعض ما أخبرت به عائشة وهو تحريم الأمة وأعرض عن بعض ، يعني ذكر الخلافة كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينتشر ذلك في الناس ( فلما نبأها به ) أي [ ص: 165 ] أخبر حفصة بما أظهره الله عليه ( قالت ) حفصة ( من أنبأك هذا ) أي : من أخبرك بأني أفشيت السر ؟ ( قال نبأني العليم الخبير ) .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية