الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة تسع عشرة وأربعمائة

فمن الحوادث فيها :

أن الغلمان اجتمعوا يوم الأحد ثاني عشر المحرم ، وتحالفوا على اتفاق الكلمة ، وأخرجوا الخيم ، وأخرجوا أكابر الأصفهلارية معهم ، فخرجوا يوم السبت ثامن عشر المحرم ، ثم أنفذوا يوم الأحد جماعة إلى دار الخلافة برسالة يقولون فيها : نحن عبيد أمير المؤمنين ، وهذا الملك متوفر على لذاته لا يقوم بأمورنا ونريد أن توعز إليه بالعود إلى البصرة ، وإنفاذ ولده ليقيم بيننا نائبا عنه في مراعاتنا ، فأجيبوا ووعدوا بمراسلة جلال الدولة ، وأنفذ إليه المرتضى ، وأبو الحسن الزينبي ، وأبو نصر المصطنع برسالة تتضمن ما قالوه ، فقال : كل ما ذكروا من إغفالنا لهم صحيح ، ونحن معتذرون عفا الله عما سلف ، ونحن نستأنف الطريقة التي تؤدي إلى مرادهم ، فلما بلغهم ذلك ، قالوا :

فإذا نحن مطيعون إلا أننا نريد ما وعدنا به عاجلا قبل دخولنا إلى منازلنا ، ثم تقرر القواعد بعد ذلك ، وأخرج من المصاغ والفضة أكثر من مائة ألف درهم ، فلم يرضهم ، وباكروا فنهبوا دار الوزير [أبي علي ] بن ماكولا وبعض دور الأصحاب والحواشي ، وعظمت الفتنة وخرقت الهيبة ، ومد أقوام أيديهم إلى دور العوام ، ووكلوا جماعة منهم بأبواب [ ص: 191 ] دار المملكة ، ومنعوا من دخول الطعام والماء ، فضاق الأمر على من في الدار حتى أكلوا ما في البستان ، وشربوا من الآبار ، فخرج الملك ودعا قوما من الموكلين بالأبواب فلم يأتوا فكتب رقعة إلى الغلمان : بأني أرجع عن كل ما أنكرتموه وأعطيكم ، فقالوا أعطيتنا ملء بغداد لم تصلح لنا ولم نصلح لك ، فقال : إذ كرهتموني فمكنوني من الانحدار ، واستقر الأمر على انحداره وابتيع له زبزب شعث ، فقال : يكون نزولي بالليل ، فقالوا ، لا بل الآن ، والغلمان يرونه قائما فلا يسلمون عليه ، ويدعوهم فلا يجيبونه ، فحمل قوم من الغلمان على السرادق فظن أنهم يريدون الحرم ، فخرج وفي يده طبر وقال : قد بلغ الأمر إلى الحرم ، فقال بعضهم : ارجع إلى دارك فإنك ملكنا ، وصاحوا : جلال الدولة يا منصور ، وانتضيت السيوف وترجلوا وقبلوا الأرض وأخرج المصاغ حتى حلي النساء فصرفه إليهم ، وأخرج الثياب والفروش والآلات الكثيرة ، فلم يف ببعض المقصود ، ثم اجتمعوا عند الوزير وهموا بقتله ، فقال : لا ذنب له وأخرجت الآلات فبيعت ، وكان فيها كيس وسفرة وطست .

وقد ذكرنا ما جرى على النخل في السنة الماضية من البرد والريح ، فلما جاءت هذه السنة عدم الرطب إلا ما يجلب من بعد ، فبيع كل ثلاثة أرطال بدينار جلالي ، واشتد البرد فجمدت حافات دجلة ، ووقفت العروب بعكبرا عن الدوران لجمود ما حولها ، وهلك ببغداد من النخل عشرات ألوف .

وتأخر في هذه السنة ورود الحاج من خراسان ، وبطل الحج من العراق والبصرة وتأخر عنه أهل مصر ، ومضى قوم من خراسان إلى مكران فركبوا في البحر من هناك إلى جدة فحجوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية