الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 350 ] فصل

                                                                                                                          ولا يملك السيد شيئا من كسبه ، ولا يبيعه درهما بدرهمين ، وإن جنى فعليه أرش جنايته ، وإن حبسه مدة ، فعليه أرفق الأمرين به من إنظاره مثل تلك المدة أو أجرة مثله ، وليس له أن يطأ مكاتبته ، إلا أن يشترط ، وإن وطئها ولم يشترط ، أو وطئ أمها ، فلها عليه المهر ، ويؤدب ولا يبلغ به الحد ، وإن شرط وطأها ، فلا مهر لها عليه ، ومتى ولدت منه صارت أم ولد له ، وولده حر ، فإن أدت عتقت ، فإن مات قبل أدائها ، عتقت وسقط ما بقي من كتابتها ، وما في يدها لها ، إلا أن يكون بعد عجزها ، وقال أصحابنا : هو لورثة سيدها ، وكذلك الحكم فيما إذا أعتق المكاتب سيده ، وإن كاتب اثنان جاريتهما ، ثم وطئاها ، فلها المهر على كل واحد منهما ، وإن ولدت من أحدهما صارت أم ولد له ، ويغرم لشريكه نصف قيمتها ، وهل يغرم نصف قيمة ولدها ؛ على روايتين وإن أتت بولد ، فألحق بهما ، صارت أم ولد لهما يعتق نصفها بموت أحدهما ، وباقيها بموت الآخر ، وعند القاضي : لا يسري استيلاد أحدهما إلى نصيب شريكه إلا أن يعجز ، فينظر حينئذ ، فإن كان موسرا ، قوم على نصيب شريكه ، وإلا فلا .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ولا يملك السيد شيئا من كسبه ) لأنه اشترى نفسه ، ولا يبقى ذلك لبائعه كسائر المبيعات ، ولأن الملك الواحد لا يتوارد عليه ملكان في وقت واحد ( ولا يبيعه درهما بدرهمين ) لأن المكاتب مع سيده كالأجنبي ، فيحرم الربا بينهما في الأصح ، إلا في مال الكتابة ( وإن جنى فعليه ) فلا قصاص ، لكن يجب عليه ( أرش جنايته ) لأنه معه كالأجنبي ، ولا يجب إلا باندمال الجرح ، فإن قتل فهدر ( وإن حبسه مدة ) وظاهر كلام المؤلف : أو منعه مدة ( فعليه ) أي : على السيد ( أرفق الأمرين به من إنظاره مثل تلك المدة ) لأن ذلك نظير ما فاته مثل ( أو أجرة مثله ) لأنه فوت منافعه ، فلزمه عوضها كالعبد ، وقيل : يلزمه أرفقهما بمكاتبه ; لأنه وجد سببها ، فكان له أنفعهما ، فإن قهره أجنبي ، لزمه أجرة مثله ، وإن قهره أهل الحرب ، لم يلزم السيد إنظاره ; لأن الحبس ليس من جهته ( وليس له أن يطأ مكاتبته ) لأنه زال ملكه عن استخدامها ، وأرش الجناية عليها ، فمنع من وطئها كالمعتقة ( إلا أن يشترط ) فله ذلك ، نص عليه ، ونصره في الشرح ، لبقاء أصل الملك كراهن يطأ بشرط ، ذكره في عيون المسائل والمنتخب ، وعنه : لا ، اختاره أبو الخطاب واختاره ابن عقيل ، وفي الشرح ، وقيل : له وطؤها في الوقت الذي لا يشغلها عن الكسب ( وإن وطئها ولم يشترط ، أو وطئ أمها ، فلها عليه المهر ) ولأنه عوض شيء مستحق للكتابة ، فكان لها كبقية منافعها ، وسواء أكرهها عليه أو طاوعته ; لأنه عوض منفعتها فوجب لها كأجرة خدمتها ، وقيل : إن طاوعته ، فلا ( ويؤدب ) لأنه وطئ وطئا محرما ( ولا يبلغ به الحد ) [ ص: 351 ] لأن الحد يدرأ بالشبهات ، والمكاتبة مملوكة في قول عامتهم ، وإن كان أحدهما عالما تحريم ذلك ، والآخر جاهلا عزر العالم ، وعذر الجاهل ( وإن شرط وطأها ، فلا مهر لها عليه ) لما تقدم من صحة اشتراط ، وكذا لا تعزير عليه ; لأنه وطئ ملكه ، فإن أولدها بشرط ، صارت أم ولد له ، وهو حر يلحقه نسبه ، ولا يلزمه قيمته ; لأنها وضعته في ملكه ، ولا تبطل كتابتها بذلك .

                                                                                                                          أصل : ليس له وطء بنت مكاتبته ، فإن وطئها عزر ، ومهرها حكمه حكم كسبها يكون لأمها تستعين به في كتابتها ، فإن أحبلها ( ومتى ولدت منه صارت أم ولد له ) والولد حر يلحقه نسبه ، ولا تجب عليه قيمتها ، ولا قيمة ولدها على الأشهر ، وليس له وطء جارية مكاتبته ولا مكاتبه اتفاقا ، فإن فعل ، عزر ، وولده حر يلحقه نسبه ، وتصير أم ولد له ، وعليه قيمتها ، ومهرها لسيدها ، ولا تجب قيمة ولدها على الأصح ( ومتى ولدت منه ، صارت أم ولد له ، وولده حر ، فإن أدت عتقت ) بالكتابة ; لأنها عقد لازم من جهة سيدها ، وما فضل من كسبها ، فهو لها ، وإن عجزت ، وردت إلى الرق ، بطل حكم كتابتها ، وبقي حكم الاستيلاد منفردا ، وما في يدها لورثة سيدها ( فإن مات ) السيد قبل عجزها ( قبل أدائها ، عتقت ) لأنها أم ولده ، وقد اجتمع لها شيئان يقتضيان العتق ، فأيهما سبق ، عتقت به ( وسقط ما بقي من كتابتها ) لأنها عتقت بغير الكتابة ( وما في يدها لها ) ذكره القاضي وابن عقيل ، لأن العتق إذا وقع في الكتابة لا يبطل حكمها ، ولأن الملك كان ثابتا لها ، والعتق لا يقتضي زواله عنها ، أشبه ما لو عتقت بالإبراء من مال الكتابة ( إلا أن يكون بعد عجزها ) فيكون للسيد ; لأنها قد عادت إلى ملكه بالعجز ( وقال [ ص: 352 ] أصحابنا ) أي : أكثرهم ( هو لورثة سيدها ) لأنها عتقت بحكم الاستيلاد ، فأشبه غير الكتابة ( وكذلك الحكم فيما إذا أعتق المكاتب سيده ) لأن عتقه بالمباشرة كعتقها بالاستيلاد ، فوجب استواؤهما في الحكم ، لكن في المغني والكافي : يحتمل أن يفرق بينهما من حيث أن الإعتاق عنه يكون برضى في العتق ، فيكون رضى منه بإعطائها مالها ، والعتق بالاستيلاد يحصل بغير رضى الورثة واختيارهم ، فلا يتبع المكاتب شيء من ماله ( وإن كاتب اثنان جاريتهما ، ثم وطئاها ، فلها المهر على كل واحد منهما ) لأن الوطء يوجب المهر ، وقد وجد ذلك منهما ، فإن كانت بكرا حين وطئها الأول فعليه مهر بكر ، وعلى الآخر مهر ثيب ، فإن أفضاها أحدهما بوطئه ، فعليه لها ثلث قيمتها ، وقيل : يلزمه قدر نقصها ، وقال القاضي : يلزمه قيمتها ، وهذا مبني على الواجب في إفضاء الحر .

                                                                                                                          ( وإن ولدت من أحدهما ) أدب ، ولا حد عليه لشبهة الملك ، ثم إن ولدت منه ( صارت أم ولد له ) لأنها علقت بحر في شيء يملك بعضه ، وذلك موجب للسراية ; لأن الاستيلاد أقوى من العتق بدليل صحته من المجنون ، وينفذ من جارية ابنه ومن رأس المال في المرض ( ويغرم لشريكه نصف قيمتها ) قنا ; لأنه فوت عليه رقها بصيرورتها أم ولد ، فإن كان موسرا أداه ، وإن كان معسرا ففي ذمته ، هذا ظاهر الخرقي ; لأن الإحبال أقوى من العتق ، وفي ضمان نصف مهرها وجهان ، والوجه الثاني : عليه نصفها ، مكاتبا ، ولها كل المهر ( وهل يغرم نصف قيمة ولدها ؛ على روايتين ) أظهرهما : لا يلزمه ; لأنها وضعته [ ص: 353 ] في ملكه والولد حر ، والثانية ، وصححها القاضي على المذهب ; لأنه كان من سبيل هذا النصف : أن يكون مملوكا لشريكه ، فقد أتلف رقه عليه ، واختار أبو بكر أنها إن وضعته بعد التقويم ، فلا شيء على الواطئ ، وإن وضعته قبل التقويم غرم نصف قيمته ( وإن أتت بولد ، فألحق بهما ، صارت أم ولد لهما ) لأن الولد منسوب إليهما ( يعتق نصفها بموت أحدهما ، وباقيها بموت الآخر ) لأنه الذي يملكه كل منهما ( وعند القاضي : لا يسري استيلاد أحدهما إلى نصيب شريكه إلا أن يعجز ) لأن المكاتبة انعقد فيها سبب الحرية ، ولمكاتبها عليها الولاء ، وفي السراية إبطال لذلك ( فينظر حينئذ ) لأن له حالة يسري فيها ، وحالة لا يسري فيها ( فإن كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه ) لأن استيلاد الموسر موجب للسراية في الرقيق ، وحينئذ فنصفها أم ولد ، ونصفها موقوف ، فإن أدت عتقت ، وإن عجزت فسخت الكتابة ، وقومت على الواطئ ، وصار جميعها أم ولد ( وإلا فلا ) أي : إذا كان الواطئ معسرا ، لم يسر إحباله إلى نصيب شريكه ; لأنه إعتاق ، فلم يسر مع الإعسار كالقول ، ويصير نصفها أم ولد ، فإن عجزت استقر الرق في نصفها ، وثبت حكم الاستيلاد لنصفها .




                                                                                                                          الخدمات العلمية