الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الحادية والعشرون :

                                                                                                                                                                                                              هذا دليل على أن الأب يزوج ابنته البكر من غير استئمار ; قال مالك . واحتج بهذه الآية ; وهو ظاهر قوي في الباب .

                                                                                                                                                                                                              وقال به الشافعي ، وكثير من العلماء .

                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : إذا بلغت الصغيرة فلا يزوجها أحد إلا برضاها ; لأنها بلغت حد التكليف ; فأما إذا كانت صغيرة فإنه يزوجها بغير رضاها ; لأنه لا إذن لها ، ولا رضاء ، بغير خلاف .

                                                                                                                                                                                                              والحديث الصحيح : { الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر في نفسها ، وإذنها صماتها } وفي رواية : { الأيم واليتيمة تستأمر في نفسها } .

                                                                                                                                                                                                              فقوله : " الثيب أحق بنفسها " دليل قوي في الباب ; لأنه جعل العلة في كون المرأة أحق بنفسها كونها أيما ; وذلك لاختيارها مقاصد في النكاح . وقد حققنا ذلك في مسائل الخلاف ، وتكلمنا على هذا الحديث بكل فائدة ولطيفة .

                                                                                                                                                                                                              واحتجاج مالك بهذه الآية يدل على أنه كان يعول على الإسرائليات ، وفيها أنهما كانتا بكرين ، وبينا ذلك في شرح الموطأ ومسائل الخلاف . وربما ظن بعضهم أنه بناء على أن الأصل في البنات ترك النكاح ، حتى يثبت أنهن متزوجات . وليس كذلك ، فإن الظاهر من النساء النكاح ، ومتى اجتمع أصل وظاهر وهي مسألة أصولية وقد بيناها في كتب الأصول . وكذلك يقال : إن أباها لما [ ص: 507 ] قال : إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين ، فأشار إليهما ، كان هذا أكثر من الاستئمار أو مثله ; فإن الكلام مع الإشارة إليها بضمير الحاضر إسماع لها .

                                                                                                                                                                                                              وإنما يخرج من الآية مسألة ، وهي الاكتفاء بصمت البكر ، وهو في حديث محمد صلى الله عليه وسلم ظاهر ، وفي شريعة الإسلام أبين منه في شرع موسى ، وبهذه الاحتمالات يتبين لك وجه استخراج الأحكام ، وما يعرض على الأدلة من الشبه ، فيقابل كل فن بما يصلح له ، ويرجح الأظهر ويقضى به .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية