الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي هذا باب في قوله عز وجل : ويسألونك عن الروح قال الزمخشري : الأكثر على أن الذي سألوه عنه هو حقيقة الروح ، فأخبر أنه من أمر الله أي مما استأثر بعلمه ، وعن أبي بريدة مضى صلى الله عليه وسلم وما يعلم الروح ، وعن ابن عباس قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم : أخبرنا عن الروح وكيف يعذب ، وإنما هي من الله ، ولم يكن نزل عليه فيه شيء فلم يحر إليهم جوابا ، فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بهذه الآية ، وقال الأشعري : هو النفس الداخل من الخارج ، قال : وقيل هو جسم لطيف يشارك الأجسام الظاهرة والأعضاء الظاهرة ، وقال بعضهم : لا يعلمها إلا الله تعالى ، وقال الجمهور : هي معلومة ، وقيل : هي الدم ، وقيل : هي نور من نور الله وحياة من حياته ، وقيل : هي أمر من أمر الله عز وجل أخفى حقيقتها وعلمها على الخلق ، وقيل : هي روحانية خلقت من الملكوت ، فإذا صفت رجعت إلى الملكوت ، وقيل : الروح روحان روح اللاهوتية ، وروح الناسوتية ، وقيل : الروح نورية ، وروحانية ، وملكوتية إذا كانت صافية ، وقيل : الروح لاهوتية ، والنفس أرضية طينية نارية ، وقيل : الروح استنشاق الهواء ، وقالت عامة المعتزلة : إنها عرض ، وأغرب ابن الراوندي فقال : إنها جسم لطيف يسكن البدن ، وقال الواقدي : المختار أنه جسم لطيف توجد به الحياة ، وقيل : الأرواح على صور الخلق لها أيد ، وأرجل ، وسمع ، وبصر .

                                                                                                                                                                                  ثم اعلم أن أرواح الخلق كلها مخلوقة ، وهو مذهب أهل السنة ، والجماعة ، والأثر ، واختلفوا هل تموت بموت الأبدان والأنفس ، أو لا تموت ؟ فقالت طائفة : لا تموت ولا تبلى ، وقال بعضهم : تموت ولا تبلى ، وتبلى الأبدان ، وقيل : الأرواح تعذب كما تعذب الأجسام ، وقال بعضهم : تعذب الأرواح ، والأبدان جميعا ، وكذلك تنعم ، وقال بعضهم : الأرواح تبعث يوم القيامة لأنها من حكم السماء ، ولا تبعث الأبدان لأنها من الأرض خلقت ، وهذا مخالف للكتاب والأثر وأقوال الصحابة والتابعين ، وقال بعضهم : تبعث الأرواح يوم القيامة ، وينشئ الله عز وجل لها أجساما من الجنة ، وهذا أيضا مخالف لما ذكرنا ، واختلفوا أيضا في الروح والنفس فقال أهل الأثر : الروح غير النفس ، وقوام النفس بالروح ، والنفس تريد الدنيا ، والروح تدعو إلى الآخرة ، وتؤثرها ، وقد جعل الهوى تبعا للنفس والشيطان مع النفس والهوى ، والملك مع العقل والروح ، وقيل : الأرواح تتناسخ وتنتقل من جسم إلى جسم ، وهذا فاسد ، وهو شر الأقاويل ، وقال الثعلبي : اختلفوا في تفسير الروح المسئول عنه في الآية ما هو ؟ فقال الحسن ، وقتادة : هو جبريل عليه الصلاة والسلام ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : هو ملك من الملائكة له سبعون ألف رأس في كل رأس سبعون ألف وجه ، لكل وجه منها سبعون ألف فم ، في كل فم سبعون ألف لسان ، لكل لسان منها سبعون ألف لغة يسبح الله تعالى بتلك اللغات كلها ، يخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : الروح ضرب من الملائكة خلق الله ، صورهم على صور بني آدم ، لهم أيد ، وأرجل ، ورؤوس ، وكذا روي عن مجاهد ، وأبي صالح ، والأعمش ، وذكر أبو إسحاق الثعلبي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه موقوفا عليه قال : الروح ملك عظيم أعظم من السماوات والأرض والجبال والملائكة ، وهو في السماء الرابعة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة ، يخلق من كل تسبيحة ملك يجيء يوم القيامة صفا واحدا وحده والملائكة بأسرهم يجيئون صفا ، وقيل : المراد به بنو آدم ، قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، وعن ابن عباس : هو الذي ينزل ليلة القدر زعيم الملائكة ، وبيده لواء طوله ألف عام ، فيغرزه على ظهر الكعبة ، ولو أذن الله له أن يلتقم السماوات والأرض لفعل .

                                                                                                                                                                                  وعن سعيد بن جبير لم يخلق الله خلقا أعظم من الروح ، ومن عظمته لو أراد أن يبلع السماوات السبع والأرضين السبع ، ومن فيهما لقمة واحدة لفعل ، صورة خلقه على صورة الملائكة ، وصورة وجهه على صورة وجه الآدميين ، فيقوم يوم القيامة عن يمين العرش ، والملائكة معه في صفه ، وهو أقرب الخلق إلى الله تعالى اليوم عند الحجب السبعين ، وهو ممن يشفع لأهل التوحيد ، ولولا أن [ ص: 34 ] بينه وبين الملائكة سترا من نور لاحترق أهل السماوات من نوره ، وقال قوم : هو المركب في الخلق الذي بفقده فناؤهم ، وبوجوده بقاؤهم ، وقال بعضهم : أراد بالروح القرآن ، وذلك أن المشركين قالوا : يا محمد ، من أتاك بهذا القرآن ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وبين أنه من عنده .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية