الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          يقول عز من قائل:

                                                          إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا .

                                                          الخطاب للمسلمين، حثا لهم على أن ينفضوا عن أنفسهم غبار الذل والعار إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم لأنه يزيل العار ويجلب الفخار، والإحسان إجادة العمل، والاستعداد لإخراج الأشرار من المسجد وتطهيره من طغاة أهل الأرض ورفع المذلة عن أهله وإعادة مسرى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المؤمنين.

                                                          وإن أسأتم فلها وإن أسأتم فمغبة الإساءة عليكم، وقال سبحانه: (لكم) ، ولم يقل عليكم؛ للإشارة إلى تمام التبعة، فكأنهم الذين اجتلبوها لأنفسهم كأنهم طلبوها وأرادوها، بكسلهم وفساد نفوسهم، وتفرق أمرهم وتركهم المعاني الإسلامية مفرطين في أمرها، بل مفرطين في أنفسكم لأنه لا قوة لكم إلا بها.

                                                          والفاء في قوله: فإذا جاء وعد الآخرة بعد قوله وإن أسأتم فلها فاء الترتيب والتعقيب. والمعنى «فإذا جاء وعد الآخرة بعد أن أسأتم، ليسوءوا وجوهكم». ليسوءوا متعلق بفعل محذوف تقديره جاءوا أي جاءوا ليسوءوا وجوههم، وعبر بالوجوه لأن الوجه تبدو عليه مظاهر السوء والكآبة والحزن، [ ص: 4339 ] ومعالم العار والخزي من أتباع محمد الذين يدينون بدين العزة والكرامة، والبعد عن الذل والمهانة، وليدخلوا المسجد كما دخلوه، أي ليدخلوه بعد أن أخرجوا منه، إذ أخرجهم الرومان، وأخرجهم المؤمنون فكان من عهد عمر لأهل إيلياء ألا يدخل عليهم اليهود، وقد دخلوه أول مرة حتى أفسدوا فيه، فأخرجهم منه على أيدي النصارى والمسلمين، وليتبروا ما علوا تتبيرا التتبير: التخريب، أي مدة علوهم وغلبهم يخربون كل قائم، ويحرقون ويدمرون مدة علوهم وبقائهم في أرض الله المقدسة، ما بقوا فيها.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية