الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2396 ) مسألة : قال : ( وله أن يقتل الحدأة ، والغراب ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور ، وكل ما عدا عليه ، أو آذاه ، ولا فداء عليه ) هذا قول أكثر أهل العلم ; منهم الثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، وحكي عن النخعي أنه منع قتل الفأرة . والحديث صريح في حل قتلها ، فلا يعول على ما خالفه . والمراد بالغراب الأبقع غراب البين .

                                                                                                                                            وقال قوم : لا يباح من الغربان إلا الأبقع خاصة ; لأنه قد روي : { خمس فواسق ، يقتلن في الحرم : الحية ، والغراب الأبقع ، والفأرة ، والكلب العقور ، والحدأة } . رواه مسلم . وهذا يقيد المطلق في الحديث الآخر ، ولا يمكن حمله على العموم ; بدليل أن المباح من الغربان لا يحل قتله .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روت عائشة ; قالت : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرم : الحدأة ، والغراب ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور } . وعن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { خمس من الدواب ، ليس على المحرم جناح في قتلهن } . وذكر مثل حديث عائشة . متفق عليه .

                                                                                                                                            وفي لفظ لمسلم ، في حديث ابن عمر : { خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام } . وهذا عام في الغراب ، وهو أصح من الحديث الآخر . ولأن غراب البين محرم الأكل ، يعدو على أموال الناس ، فلا وجه لإخراجه من العموم . وفارق ما أبيح أكله ، فإنه مباح ليس هو في معنى ما أبيح قتله ، فلا يلزم من تخصيصه تخصيص ما ليس في معناه . وقول الخرقي : ( وكل ما عدا عليه أو آذاه ) .

                                                                                                                                            يحتمل أنه أراد ما يبدأ المحرم ، فيعدو عليه في نفسه أو ماله ، فهذا لا جناح على قاتله ، سواء كان من جنس طبعه الأذى ، أو لم يكن . قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم ، على أن السبع إذا بدأ المحرم ، فقتله ، لا شيء عليه . ويحتمل أنه أراد ما كان طبعه الأذى والعدوان ، وإن لم يوجد منه أذى في الحال . قال مالك : الكلب العقور ، ما عقر الناس وعدا عليهم ، مثل الأسد والنمر والفهد والذئب . فعلى هذا يباح قتل كل ما فيه أذى للناس في أنفسهم أو في أموالهم ، مثل سباع البهائم كلها ، المحرم أكلها ، وجوارح الطير ، كالبازي ، والعقاب ، والصقر ، والشاهين ، ونحوها ، والحشرات المؤذية ، والزنبور ، والبق ، والبعوض ، والبراغيث ، والذباب . وبهذا قال الشافعي .

                                                                                                                                            وقال أصحاب الرأي : يقتل ما جاء في الخبر ، والذئب ، قياسا عليه . ولنا ، أن الخبر نص من كل جنس على صورة من أدناه ، تنبيها على ما هو أعلى منها ، ودلالة على ما كان في معناها ، فنصه على الحدأة والغراب تنبيه على البازي ونحوه ، وعلى الفأرة تنبيه على الحشرات ، وعلى العقرب تنبيه على الحية ، وعلى الكلب العقور تنبيه على السباع التي هي أعلى منه ، ولأن ما لا يضمن بمثله ، ولا بقيمته ، لا يضمن ، كالحشرات .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية