الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكرهم - سبحانه - بنعمة الإدراك؛ بعد ابتداء الخلق؛ وأتبعه ما من به على الطير من الارتفاع الحامي لها من الحر؛ أتبعه ما يسكنون إليه فيظلهم؛ ويجمعهم؛ لأنه أهم الأشياء للحيوان؛ فقال (تعالى): والله ؛ أي: الذي له الحكمة البالغة؛ والقدرة الشاملة؛ جعل لكم ؛ أي: أيها الغافلون؛ من بيوتكم ؛ أصل "البيت": المأوى ليلا؛ ثم اتسع فيه؛ سكنا ؛ هو [ ص: 225 ] مصدر؛ بمعنى "مفعول"؛ ولم يسلط عليكم فيها الحشرات؛ والوحوش؛ كما سلطكم عليهم; ثم أتبع ما يخص الحضر ما يصلح له؛ وللسفر بما ميزهم به عن الطير؛ وغيرها من سائر الحيوانات؛ فقال (تعالى): وجعل لكم ؛ أي: إنعاما عليكم؛ من جلود الأنعام ؛ التي سلطكم عليها.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت الخيام؛ التي من جلود الأنعام؛ في ظلها الظليل؛ تقارب بيوت القرى؛ جمعها جمعا؛ فقال (تعالى): بيوتا ؛ فإنهم قالوا: إن هذا الجمع بالمسكن أخص؛ والأبيات بالشعر أخص؛ تستخفونها ؛ أي: تطالبون بالاصطناع خفها؛ فتجدونها كذلك؛ يوم ظعنكم ؛ أي: وقت ارتحالكم؛ وعبر به لأنه في النهار أكثر؛ ويوم إقامتكم ؛ ثم أتبعه ما به كمال السكن؛ فقال (تعالى): ومن أصوافها ؛ أي: الضأن منها؛ وأوبارها ؛ وهي للإبل كالصوف للغنم؛ وأشعارها ؛ وهي ما كان من المعز؛ ونحوه من المساكن؛ والملابس؛ والمفارش؛ والأخبية؛ وغيرها؛ أثاثا ؛ أي: متاعا من متاع البيت كثيرا؛ من قولهم: "شعر أثيث"؛ أي: كثير؛ و"أث النبت"؛ إذا كثر؛ ومتاعا ؛ تتمتعون به؛ [ ص: 226 ] إلى حين ؛ أي: وقت غير معين؛ بحسب كل إنسان في فقد ذلك؛ وأعرض عن ذكر الحرير؛ والكتان؛ والقطن؛ لأنها لم تكن من صناعتهم؛ وإشارة إلى الاقتصاد؛ وعدم الإسراف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية