الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل هو نبأ عظيم . أنتم عنه معرضون . ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون . إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين . إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين . [ ص: 154 ] فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين . قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين . قال فاخرج منها فإنك رجيم . وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين . قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون . قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم . قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين . قال فالحق والحق أقول . لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين . قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين . إن هو إلا ذكر للعالمين . ولتعلمن نبأه بعد حين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: قل هو نبأ عظيم النبأ: الخبر . وفي المشار إليه قولان . أحدهما: أنه القرآن، قاله ابن عباس، ومجاهد، والجمهور . والثاني: أنه البعث بعد الموت، قاله قتادة . أنتم عنه معرضون أي: لا تتفكرون فيه فتعلمون صدقي في نبوتي، وأن ما جئت به من الأخبار عن قصص الماضين لم أعلمه إلا بوحي من الله . ويدل على هذا المعنى قوله: ما كان لي من علم بالملإ الأعلى يعني الملائكة إذ يختصمون في شأن آدم حين قال الله تعالى: إني جاعل في الأرض خليفة [البقرة:30]; والمعنى: إني [ ص: 155 ] ما علمت هذا إلا بوحي، إن يوحى إلي أي: ما يوحى إلي إلا أنما أنا نذير [أي]: إلا أني نبي أنذركم وأبين لكم ما تأتونه وتجتنبونه .

                                                                                                                                                                                                                                      إذ قال ربك هذا متصل بقوله: "يختصمون"، وإنما اعترضت تلك الآية بينهما . قال ابن عباس: اختصموا حين شووروا في خلق آدم، فقال الله لهم: إني جاعل في الأرض خليفة ، وهذه الخصومة منهم إنما كانت مناظرة بينهم . وفي مناظرتهم قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه قولهم: أتجعل فيها من يفسد فيها [البقرة: 30]، قاله ابن عباس، ومقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنهم قالوا: لن يخلق الله خلقا إلا كنا أكرم منه وأعلم، قاله الحسن; هذا قول الأكثر من المفسرين . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رأيت ربي عز وجل، فقال لي: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: أنت أعلم يا رب، قال: في الكفارات والدرجات، فأما الكفارات، فإسباغ الوضوء في السبرات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة . وأما الدرجات، فإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 156 ] [ ص: 157 ] قوله تعالى: أستكبرت أي: أستكبرت بنفسك حين أبيت السجود أم كنت من العالين أي: من قوم يتكبرون فتكبرت عن السجود لكونك من قوم يتكبرون؟!

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فإنك رجيم أي: مرجوم بالذم واللعن .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إلى يوم الوقت المعلوم وهو وقت النفخة الأولى، وهو حين موت الخلائق .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فبعزتك يمين بمعنى: فوعزتك . وما أخللنا به في هذه القصة فهو مذكور في [الأعراف: 12] و [الحجر: 34] وغيرهما مما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: قال فالحق والحق أقول قرأ عاصم إلا حسنون عن هبيرة، وحمزة، وخلف، وزيد عن يعقوب: "فالحق" بالرفع في الأول ونصب الثاني، وهذا مروي عن ابن عباس، ومجاهد; قال ابن عباس في معناه: [ ص: 158 ] فأنا الحق وأقول الحق; وقال غيره: خبر الحق محذوف، تقديره: الحق مني . وقرأ محبوب عن أبي عمرو بالرفع فيهما; قال الزجاج : من رفعهما جميعا، كان المعنى فأنا الحق والحق أقول وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ، وابن عامر، والكسائي: بالنصب فيهما . قال الفراء: وهو على معنى قولك: حقا لآتينك، ووجود الألف واللام وطرحهما سواء، وهو بمنزلة قولك: حمدا لله . وقال مكي بن أبي طالب: انتصب الحق الأول على الإغراء، أي: اتبعوا الحق، واسمعوا والزموا الحق . وقيل: هو نصب على القسم، كما تقول: الله لأفعلن، فتنصب حين حذفت الجار، لأن تقديره: فبالحق; فأما الحق الثاني، فيجوز أن يكون الأول، وكرره توكيدا، ويجوز أن يكون منصوبا بـ "أقول"، كأنه قال: وأقول الحق . وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وأبو رجاء، ومعاذ القارئ، [والأعمش]: "فالحق" بكسر القاف "والحق" بنصبها . وقرأ أبو عمران [الجوني] بكسر القافين جميعا . وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وأبو نهيك: "فالحق" بالنصب "والحق" بالرفع .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: لأملأن جهنم منك أي: من نفسك وذريتك .

                                                                                                                                                                                                                                      قل ما أسألكم عليه من أجر أي: على تبليغ الوحي وما أنا من المتكلفين أي: لم أتكلف إتيانكم من قبل نفسي، إنما أمرت أن آتيكم، ولم أقل القرآن من تلقاء نفسي، إنما أوحي إلي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 159 ] إن هو أي: ما هو، يعني القرآن إلا ذكر أي: موعظة للعالمين .

                                                                                                                                                                                                                                      ولتعلمن يا معاشر الكفار نبأه أي: خبر صدق القرآن بعد حين وفيه ثلاثة أقوال . أحدها: بعد الموت . والثاني: يوم القيامة، رويا عن ابن عباس، وبالأول يقول قتادة، وبالثاني يقول عكرمة . والثالث: يوم بدر، قاله السدي، ومقاتل . وقال ابن السائب: من بقي إلى أن ظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ذلك، ومن مات علمه بعد الموت . وذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية