الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 285 ] 193 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دعائه لأهل مدينته أن يبارك لهم في صاعهم ومدهم

1249 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا عبد الله بن وهب أن مالك بن أنس أخبره عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم بارك لهم في مكيالهم ، وبارك لهم في صاعهم وفي مدهم . يعني : أهل المدينة .

1250 - حدثنا علي بن معبد قال : حدثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي قال : حدثنا وهيب بن خالد قال : حدثنا عمرو بن يحيى المازني ، عن عباد بن تميم ، عن عبد الله بن زيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إبراهيم حرم مكة ودعا لهم ، وإني حرمت المدينة ودعوت لهم بمثل ما دعا به إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لأهل مكة أن يبارك لهم في مدهم وصاعهم .

[ ص: 286 ]

1251 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : كان الناس إذا رأوا الثمر جاؤوا به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا أخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اللهم بارك لنا في ثمرنا ، وبارك لنا في صاعنا ، وبارك لنا في مدنا ! اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك ، وإني عبدك ونبيك وإنه دعا لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه . قال : ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر .

[ ص: 287 ] قال أبو جعفر : فتأملنا هذه الآثار وما فيها من قصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدعائه بالبركة إلى الصاع والمد والمكيال ، فكان ذلك عندنا منه - والله أعلم - إرادة منه به البركة فيما يكال بالصاع والمد والمكيال من الثمار التي هي أموال أهل المدينة ، ومنها عيش ساكنيها ، وكان قصده بذلك إلى الصاع والمد والمكيال قصدا منه إلى المكيل بهذه الأشياء .

ومثل هذا من كلام العرب قول الله عز وجل : واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها . وكانت المدينة دار الثمار لا ما سواها ، فقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء لأهل تلك الثمار بالبركة فيما يعتبرون ثمارهم ، وفيما يبيعونها به ، وفيما يقضون دينهم منها به ، وفيما يعولون به من يعولونه ، ولم تكن دار ما يستعمل فيه سوى المكاييل من الموازين ، فيحتاجوا إلى الدعاء لهم بالبركة في موازينهم كما احتاج إلى الدعاء لهم بالبركة في مكاييلهم ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية