الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الإيلاء

قال الله (تعالى): للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ؛ قال أبو بكر : الإيلاء في اللغة هو الحلف؛ يقولون: "آلى؛ يؤلي؛ إيلاء؛ وألية"؛ قال كثير:


قليل الألايا حافظ ليمينه ... وإن بدرت منه الألية برت



فهذا أصله في اللغة؛ وقد اختص في الشرع بالحلف على ترك الجماع؛ الذي يكسب الطلاق بمضي المدة حتى إذا قيل: "آلى فلان من امرأته"؛ عقل به ذلك؛ وقد اختلف فيما يكون به موليا على وجوه؛ أحدها ما روي عن علي ؛ وابن عباس ؛ رواية الحسن؛ وعطاء ؛ أنه إذا حلف ألا يقربها لأجل الرضاع لم يكن موليا؛ وإنما يكون موليا إذا حلف ألا يجامعها على وجه الضرار؛ والغضب؛ والثاني ما روي عن ابن عباس : أن كل يمين حالت دون الجماع إيلاء؛ ولم يفرق بين الرضا والغضب؛ وهو قول إبراهيم؛ وابن سيرين ؛ والشعبي ؛ والثالث ما روي عن سعيد بن المسيب أنه في الجماع وغيره من الصفات؛ نحو أن يحلف ألا يكلمها؛ فيكون موليا؛ وقد روى جعفر بن برقان؛ عن يزيد بن الأصم ؛ قال: تزوجت امرأة؛ فلقيت ابن عباس ؛ فقال: بلغني أن في حلقها شيئا؛ قال: تالله لقد خرجت وما أكلمها؛ قال: عليك بها قبل أن [ ص: 45 ] تمضي أربعة أشهر؛ فهذا يدل على موافقة قول سعيد بن المسيب ؛ ويدل على موافقة ابن عمر في أن الهجران من غير يمين هو الإيلاء؛ والرابع قول ابن عمر : إنه إن هجرها فهو إيلاء؛ ولم يذكر الحلف؛ فأما من فرق بين حلفه على ترك جماعها ضرارا؛ وبينه على غير وجه الضرار؛ فإنه ذهب إلى أن الجماع حق لها؛ ولها المطالبة به؛ وليس له منعها حقها من ذلك؛ فإذا حلف على ترك حقها من الجماع كان موليا حتى تصل إلى حقها من الفرقة؛ إذ ليس له إلا إمساكها بمعروف؛ أو تسريح بإحسان؛ وأما إذا قصد الصلاح في ذلك؛ بأن تكون مرضعة فحلف ألا يجامعها لئلا يضر ذلك بالصبي؛ فهذا لم يقصد منع حقها؛ ولا هو غير ممسك لها بمعروف؛ فلا يلزم التسريح بالإحسان؛ ولا يتعلق بيمينه حكم الفرقة.

وقوله: فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم ؛ يستدل به من اعتبر الضرار; لأن ذلك يقتضي أن يكون مذنبا يقتضي الفيء غفرانه؛ وهذا عندنا لا يدل على تخصيصه من كان هذا وصفه; لأن الآية قد شملت الجميع؛ وقاصد الضرر أحد من شمله العموم؛ فرجع هذا الحكم إليه؛ دون غيره؛ ويدل على استواء حال المطيع؛ والعاصي؛ في ذلك أنهما يستويان في وجوب الكفارة بالحنث؛ كذلك يجب أن يستويا في إيجاب الطلاق بمضي المدة؛ وأيضا سائر الأيمان المعقودة لا يختلف فيها حكم المطيع؛ والعاصي؛ فيما يتعلق بها من إيجاب الكفارة؛ وجب أن يكون كذلك حكم الطلاق؛ لأنهما جميعا يتعلقان باليمين؛ وأيضا لا يختلف حكم الرجعة على وجه الضرار وغيره؛ كذلك الإيلاء؛ وفقهاء الأمصار على خلاف ذلك; لأن الآية لم تفرق بين المطيع؛ والعاصي؛ فهي عامة في الجميع؛ وأما قول من قال: إنه إذا قصد ضرارها بيمين على الكلام ونحوه؛ فلا معنى له; لأن قوله: للذين يؤلون من نسائهم ؛ لا خلاف أنه قد أضمر فيه اليمين على ترك الجماع؛ لاتفاق الجميع على أن الحالف على ترك جماعها مول؛ فترك الجماع مضمر في الآية عند الجميع؛ فأثبتناه؛ وما عدا ذلك من ترك الكلام؛ ونحوه؛ لم تقم الدلالة على إضماره في الآية؛ فلم يضمره؛ ويدل على ما بيناه قوله: فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم ؛ ومعلوم عند الجميع أن المراد بالفيء هو الجماع؛ ولا خلاف بين السلف فيه؛ فدل ذلك على أن المضمر في قوله: للذين يؤلون من نسائهم ؛ هو الجماع؛ دون غيره؛ وأما ما روي عن ابن عمر من أن الهجران يوجب الطلاق؛ فإنه قول شاذ؛ وجائز أن يكون مراده: إذا حلف؛ ثم هجرها مدة الإيلاء؛ وهو مع ذلك خلاف الكتاب؛ قال الله (تعالى): للذين يؤلون من نسائهم ؛ والألية: اليمين؛ على ما بينا؛ وهجرانها ليس [ ص: 46 ] بيمين؛ فلا يتعلق به وجوب الكفارة؛ وروى أشعث؛ عن الحسن أن أنس بن مالك كانت عنده امرأة في خلقها سوء؛ فكان يهجرها خمسة أشهر؛ وستة أشهر؛ ثم يرجع إليها؛ ولا يرى ذلك إيلاء؛ وقد اختلف السلف؛ وفقهاء الأمصار بعدهم؛ في المدة التي إذا حلف عليها يكون موليا؛ فقال ابن عباس ؛ وسعيد بن جبير ؛ وعطاء : "إذا حلف على أقل من أربعة أشهر؛ ثم تركها أربعة أشهر لم يجامعها؛ لم يكن موليا"؛ وهو قول أصحابنا؛ ومالك ؛ والشافعي ؛ والأوزاعي .

وروي عن عبد الله بن مسعود ؛ وإبراهيم؛ والحكم؛ وقتادة ؛ وحماد أنه يكون موليا؛ إن تركها أربعة أشهر بانت؛ وهو قول ابن شبرمة؛ والحسن بن صالح ؛ قال الحسن بن صالح : وكذلك إن حلف ألا يقربها في هذا البيت فهو مول؛ فإن تركها أربعة أشهر بانت بالإيلاء؛ وإن قربها في غيره قبل المدة سقط الإيلاء؛ ولو حلف ألا يدخل هذه الدار وفيها امرأته؛ ومن أجلها حلف؛ فهو مول؛ قال أبو بكر : قال الله ( تعالى): للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ؛ والإيلاء هو اليمين.

وقد ثبت بما قدمنا أن ترك جماعها بغير يمين لا يكسبه حكم الإيلاء؛ وإذا حلف على أقل من أربعة أشهر؛ فمضت مدة اليمين؛ كان تاركا لجماعها فيما بقي من مدة الأربعة الأشهر؛ التي هي التربص بغير يمين؛ وترك جماعها بغير يمين لا تأثير له في إيجاب البينونة؛ وما دون الأربعة أشهر لا يكسبه حكم البينونة; لأن الله (تعالى) قد جعل له تربص أربعة أشهر؛ فلم يبق هناك معنى يتعلق به إيجاب الفرقة; فكان بمنزلة تارك جماعها بغير يمين؛ فلا يلحقه حكم الإيلاء.

وأما قول الحسن بن صالح : "إنه إذا حلف ألا يقربها في هذا البيت؛ أنه يكون موليا"؛ فلا معنى له; لأن الإيلاء كل يمين في زوجة يمنع جماعها أربعة أشهر؛ لا يحنث؛ على ما بينا؛ وهذه اليمين لم تمنعه جماعها هذه المدة; لأنه يمكنه الوصول إلى جماعها بغير حنث؛ بأن يقربها في غير ذلك البيت؛ وقد اختلف أيضا فيمن حلف على أربعة أشهر سواء ؛ فقال أبو حنيفة ؛ وزفر؛ وأبو يوسف؛ ومحمد؛ والثوري : "هو مول؛ فإن لم يقربها في المدة حتى مضت؛ بانت بالإيلاء".

وروى عطاء ؛ عن ابن عباس قال: "كان إيلاء أهل الجاهلية السنة؛ والسنتين؛ فوقت الله (تعالى) لهم أربعة أشهر؛ فمن كان إيلاؤه دون ذلك فليس بمول"؛ وقال مالك ؛ والشافعي : "إذا حلف على أربعة أشهر؛ فليس بمول حتى يحلف على أكثر من ذلك"؛ قال أبو بكر : هذا قول يدفعه ظاهر الكتاب؛ وهو قوله ( تعالى): للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ؛ فجعل هذه المدة تربصا للفيء فيها؛ ولم يجعل له التربص أكثر منها؛ فمن [ ص: 47 ] امتنع من جماعها باليمين هذه المدة أكسبه ذلك حكم الإيلاء؛ الطلاق؛ ولا فرق بين الحلف على الأربعة الأشهر؛ وبينه على أكثر منها؛ إذ ليس له تربص أكثر من هذه المدة؛ ومع ذلك فإن ظاهر الكتاب يقتضي كونه موليا في حلفه على أربعة أشهر؛ وأقل منها؛ وأكثر منها; لأن مدة الحلف غير مذكورة في الآية؛ وإنما خصصنا ما دونها بدلالة؛ وبقي حكم اللفظ في الأربعة الأشهر؛ وما فوقها؛ فإن قيل: إذا حلف على أربعة أشهر سواء؛ لم يصح تعلق الطلاق بها؛ لأنك توقع الطلاق بمضيها؛ ولا إيلاء هناك؛ قيل له: لا يمتنع; لأن مضي المدة إذا كان سببا للإيقاع لم يجب اعتبار بقاء اليمين في حال وقوعه؛ ألا ترى أن مضي الحول لما كان سببا لوجوب الزكاة؛ فليس بواجب أن يكون الحول موجودا في حال الوجوب؛ بل يكون معدوما منقضيا؛ وأن من قال لامرأته: إن كلمت فلانا فأنت طالق؛ كانت هذه يمينا معقودة؛ فإن كلمته طلقت في الحال؛ وقد انحلت فيها اليمين؛ وبطلت؟ كذلك مضي مدة الإيلاء؛ لما كان سببا لوقوع الطلاق لم يمتنع وقوعه؛ واليمين غير موجودة؛ وقوله (تعالى): فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم ؛ قال أبو بكر : الفيء في اللغة هو الرجوع إلى الشيء؛ ومنه قوله (تعالى): حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل ؛ يعني حتى ترجع من البغي إلى العدل؛ الذي هو أمر الله؛ وإذا كان الفيء الرجوع إلى الشيء؛ اقتضى ظاهر اللفظ أنه إذا حلف ألا يجامعها على وجه الضرار؛ ثم قال لها: قد فئت إليك؛ وقد أعرضت عما عزمت عليه من هجران فراشك باليمين؛ أن يكون قد فاء إليها؛ سواء كان قادرا على الجماع؛ أو عاجزا؛ هذا هو مقتضى ظاهر اللفظ؛ إلا أن أهل العلم متفقون على أنه إذا أمكنه الوصول إليها لم يكن فيؤه إلا الجماع ؛ واختلفوا فيمن آلى وهو مريض؛ أو بينه وبينها مسيرة أربعة أشهر؛ أو هي رتقاء؛ أو صغيرة؛ أو هو مجبوب؛ فقال أصحابنا: إذا فاء إليها بلسانه؛ ومضت المدة؛ والعذر قائم؛ فذلك فيء صحيح؛ ولا تطلق بمضي المدة؛ ولو كان محرما بالحج؛ وبينه وبين الحج أربعة أشهر لم يكن فيؤه إلا الجماع؛ وقال زفر: فيؤه بالقول؛ وقال ابن القاسم : إذا آلى وهي صغيرة لا تجامع مثلها؛ لم يكن موليا حتى تبلغ الوطء؛ ثم يوقف بعد مضي أربعة أشهر مذ بلغت الوطء؛ وهو رأي ابن القاسم بن عمرو ؛ ولم يروه عن مالك ؛ وقال ابن وهب ؛ عن مالك ؛ في المولي إذا وقف عند انقضاء الأربعة الأشهر؛ ثم راجع امرأته؛ أنه إن لم يصبها حتى تنقضي عدتها؛ فلا سبيل له إليها؛ ولا رجعة إلا أن يكون له عذر من مرض؛ أو سجن؛ أو ما أشبه [ ص: 48 ] ذلك؛ فإن ارتجاعه إياها ثابت عليها؛ وإن مضت عدتها؛ ثم تزوجها بعد ذلك؛ فإن لم يصبها حتى ينقضي أربعة أشهر؛ وقف أيضا.

وقال إسماعيل بن إسحاق: قال مالك : إن مضى الأربعة الأشهر؛ وهو مريض؛ أو محبوس؛ لم يوقف حتى يبرأ; لأنه لا يكلف ما لا يطيق؛ وقال مالك : لو مضت أربعة أشهر وهو غائب؛ إن شاء كفر عن يمينه؛ وسقط عنه الإيلاء؛ قال إسماعيل: وإنما قال ذلك في هذا الموضع لأن الكفارة قبل الحنث جائزة عنده؛ وإن كان لا يستحب أن يكون إلا بعد الحنث؛ وقال الأشجعي؛ عن الثوري ؛ في المولي: إذا كان له عذر من مرض؛ أو كبر؛ أو حبس؛ أو كانت حائضا؛ أو نفساء؛ فليفئ بلسانه؛ يقول: قد فئت إليك؛ يجزيه ذلك؛ وهو قول الحسن بن صالح ؛ وقال الأوزاعي : إذا آلى من امرأته؛ ثم مرض؛ أو سافر؛ فأشهد على الفيء من غير جماع؛ وهو مريض؛ أو مسافر؛ ولا يقدر على الجماع؛ فقد فاء؛ فليكفر عن يمينه؛ وهي امرأته؛ وكذلك إن ولدت في الأربعة الأشهر؛ أو حاضت؛ أو طرده السلطان ؛ فإنه يشهد على الفيء؛ ولا إيلاء عليه.

وقال الليث بن سعد : إذا مرض بعد الإيلاء؛ ثم مضت أربعة أشهر؛ فإنه يوقف؛ كما يوقف الصحيح؛ فإما فاء؛ وإما طلق؛ ولا يؤخر إلى أن يصح؛ وقال المزني؛ عن الشافعي : إذا آلى المجبوب ففيؤه بلسانه؛ وقال في الإيلاء: لا إيلاء على المجبوب؛ قال: ولو كانت صبية فآلى منها؛ استؤنفت به أربعة أشهر؛ بعدما تصير إلى حال يمكن جماعها؛ والمحبوس يفيء باللسان؛ ولو أحرم لم يكن فيؤه إلا الجماع؛ ولو آلى وهي بكر؛ فقال: لا أقدر على افتضاضها؛ أجل أجل العنين؛ قال أبو بكر : الدليل على أنه إذا لم يقدر على جماعها في المدة كان فيؤه باللسان ؛ قوله: فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم ؛ وهذا قد فاء; لأن الفيء الرجوع إلى الشيء؛ وهو قد كان ممتنعا من وطئها بالقول؛ وهو اليمين؛ فإذا فاء بالقول؛ فقال: قد فئت إليك؛ فقد رجع عما منع نفسه منه بالقول إلى ضده؛ فتناوله العموم؛ وأيضا لما تعذر جماعها قام القول فيه مقام الوطء في المنع من البينونة؛ وأما تحريم الوطء بالإحرام؛ والحيض؛ فليس بعذر؛ أما الإحرام فلأنه كان يفعله ولا يسقط حقها من الوطء؛ وأما الحيض؛ والنفاس؛ فإن الله (تعالى) جعل للمولي تربص أربعة أشهر؛ مع علمه بوجود الحيض فيها؛ واتفق السلف على أن المراد الفيء؛ بالجماع؛ في حال إمكان الجماع؛ فلم يجز أن ينقله عنه إلى غيره؛ مع إمكان وطئها؛ وتحريم الوطء لا يخرجه من إمكانه؛ فصار بمنزلة الإحرام؛ والظهار؛ ونحو ذلك; لأنه منع من الوطء بتحريمه؛ لا بالعجز؛ وتعذره; ولأن حقها باق في الجماع؛ ويدل على ذلك أنه لو أبانها [ ص: 49 ] بخلع؛ وهو مول منها؛ لم يكن التحريم الواقع موجبا لجواز فيئه بالقول؛ وهو مع ذلك لو وطئها في هذه الحال بطل الإيلاء؛ فإن قيل: إذا كان الفيء بالقول لا يسقط اليمين؛ فواجب بقاؤها؛ إذ لا تأثير للفيء بالقول في إسقاطها؛ قيل له: هذا غير واجب من قبل أنه جائز ببقاء اليمين؛ وبطلان الإيلاء من جهة ما تعلق به من الطلاق؛ ألا ترى أنه إذا طلقها ثلاثا؛ ثم عادت إليه بعد زوج؛ كانت اليمين باقية؛ لو وطئها حنث؛ ولم يلحقها بها طلاق؛ وإن ترك وطأها؟ وكذلك لو أن رجلا قال لامرأة أجنبية: والله لا أقربك؛ لم يكن إيلاء؛ فإن تزوجها كانت اليمين باقية؛ لو وطئها لزمته الكفارة؛ ولا يكون موليا في حكم الطلاق؛ فليس بقاء اليمين إذا علة في حكم الطلاق؛ فجاز من أجل ذلك أن يفيء إليها بلسانه؛ فيسقط حكم الطلاق في هذه اليمين؛ ويبقى حكم الحنث بالوطء؛ وإنما شرط أصحابنا في صحة الفيء بالقول وجود العذر في المدة كلها؛ ومتى كان الوطء مقدورا عليه في شيء من المدة لم يكن فيؤه عندهم إلا الجماع من قبل أن الفيء بالقول قائم مقام الوطء عند عدمه؛ لئلا يقع الطلاق بمضي المدة؛ فمتى قدر على الوطء في المدة بطل الفيء بالقول؛ كالمتيمم إذا أقيم تيممه مقام الطهارة بالماء؛ في إباحة الصلاة؛ كان متى وجد الماء؛ قبل الفراغ منها؛ بطل تيممه؛ وعاد إلى أصل فرضه؛ سواء كان وجوده للماء في أول الصلاة؛ أو في آخرها؛ كذلك القدرة على الوطء؛ في المدة؛ تبطل حكم الفيء بالقول؛ وقال محمد: إذا فاء بالقول؛ لوجود العذر في المدة؛ ثم انقضت المدة؛ والعذر قائم؛ فقد بطل حكم الإيلاء منها؛ فكان بمنزلة من حلف على أجنبية ألا يقربها؛ ثم تزوجها؛ فيكون يمينه باقية؛ إن قربها حنث؛ وإن ترك جماعها أربعة أشهر لم تطلق.

التالي السابق


الخدمات العلمية