الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 222 ] ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أن المطر لما تأخر في الشتوة وخرج الناس للاستسقاء لست خلون من المحرم بأمر من دار الخليفة فذهبوا إلى الجوامع واستمر تأخر المطر ، وكثر الموتان بنواحي النيل .

وفي يوم الثلاثاء: كان عاشوراء ، وعلقت المسوح في الأسواق ، وأقيم النوح في المشاهد ، وتولى ذلك العيارون .

وفي يوم الاثنين سادس عشر المحرم: قرئ في الموكب عهد خرج من حضرة القائم بأمر الله بإقرار قاضي القضاة أبي عبد الله الحسين بن علي على ما يتولاه من قضاء القضاة ، وكان في الكتاب وأن أمير المؤمنين أعمل فكره وأدام سبره في اختيار من يسند إليه الأحكام ويجعله حجة بينه وبين الله تعالى في هذا المقام ، وكان الحسين بن علي قاضي القضاة منتهى رأيه وقمر اختياره لما هو عليه من عفافه واستقامة طريقته ، وأمره في الكتاب بتقوى الله والعدل في الحكم وترك المحاباة ، وأورد فيه أخبارا كثيرة في العدل وحكايات .

وفي يوم الجمعة لخمس خلون من صفر: ثار أهل الكرخ بالعيارين [وطلبوهم] [ ص: 223 ] فهربوا ، فكبسوا دورهم ، ونهبوا سلاحهم ، وراسلوا السلطان ليعاونهم ، وكان سبب هذا الفعل أن العيارين دخلوا ليلا على أحد البزازين ، فأخذوا ماله ، فتعصب له أهل سوقه ، فرد العيارون بعض ما أخذوا .

ثم كبسوا في ليلة الأحد دار ابن الفلو الواعظ بدار القطن من نهر طابق [فأخذوا ماله] وما كان للناس عنده ، ومروا على عادتهم في الكبسات ، واختلط بهم في [العملات] مولدو الأتراك وحواشيهم ، ثم إن الغلمان صمموا على عزل جلال الدولة أبي طاهر ، وإظهار أبي كاليجار ، وقال بعضهم لبعض: هذا الملك مشغول عنا ، وقد طمع فينا حتى العوام وبلغ منا الفقر فتحالفوا على خلعه ، واجتهدوا في إصلاحهم ، فلم ينفع وقالوا له: لا بد أن تخرج عنا وتنحدر إلى واسط .

وفي يوم الاثنين لثمان بقين من صفر: قرئ في الموكب بدار الخلافة كتاب ورد من القاضي أبي إسحاق محمد بن عبد المؤمن بإسكاف ، وتوقيع أقرن به ، وأمر الناس فيه بالخروج إلى الاستسقاء ، وكان في ذلك الكتاب أنه ذكر عن رجل أنه حكى أن امرأة عربية ولدت ولدا لم يظهر منه سوى رأس بفم وأسنان وحلق كالخيارة منتفخة ، وبقية البدن كالحية والمصران ، بلا يد ولا رجل ، فحين سقط إلى الأرض تكلم ، وقال الناس تحت غضب منذ أربع سنين ، ويجب عليهم الإنابة ، وأن يخرجوا إلى الاستسقاء والأطفال والبهائم ، فخرج التوقيع يذكر فيه أن امتناع القطر لأجل ما أقام عليه المذنبون من المعاصي ، فتقدم إلى الناس بالخروج في يوم الجمعة والسبت والأحد بعد أن يصوموا هذه الأيام الثلاثة ، ويخلصوا الدعاء والابتهال ، فلم يخرج في يومي السبت والأحد إلا عدد قليل لم يتجاوز عددهم يوم السبت في جامع المدينة نيفا وأربعين ، وببراثا عشرة نفر ، وخرج يوم الأحد إلى جامع المدينة سبعة عشر ، وببراثا خمسة نفر ، [ ص: 224 ] وكانت الجوامع الباقية على نحو هذا ، فلم يسق الناس ولا أغيثوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية