الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين

                                                                                                                                                                                                كان عمر نوح عليه السلام ألفا وخمسين سنة ، بعث على رأس أربعين ، ولبث في قومه تسعمائة وخمسين ، وعاش بعد الطوفان ستين . وعن وهب : أنه عاش ألفا وأربعمائة سنة . فإن قلت : هلا قيل : تسعمائة وخمسين سنة ؟ قلت : ما أورده الله أحكم . لأنه لو قيل كما قلت ، لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره ، وهذا التوهم زائل مع مجيئه كذلك ، وكأنه قيل : تسعمائة وخمسين سنة كاملة وافية العدد ، إلا أن ذلك أخصر وأعذب لفظا وأملأ بالفائدة ، وفيه نكتة أخرى : وهي أن القصة مسوقة لذكر ما ابتلي به نوح عليه السلام من أمته وما كابده من طول المصابرة ، تسلية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتثبيتا له ، فكان ذكر رأس العدد الذي لا رأس أكثر منه ، أوقع وأوصل إلى الغرض من استطالة السامع مدة صبره . فإن قلت : فلم جاء المميز أولا بالسنة وثانيا بالعام ؟ قلت : لأن تكرير اللفظ الواحد في الكلام الواحد حقيق بالاجتناب في البلاغة ، إلا إذا وقع ذلك لأجل غرض ينتحيه المتكلم من تفخيم أو تهويل أو تنويه أو نحو ذلك . و "الطوفان" ما أطاف [ ص: 541 ] وأحاط بكثرة وغلبة ، من سيل أو ظلام ليل أو نحوهما ؛ قال العجاج [من الرجز ] :

                                                                                                                                                                                                وغم طوفان الظلام الأثأبا

                                                                                                                                                                                                أصحاب السفينة كانوا ثمانية وسبعين نفسا : نصفهم ذكور ، ونصفهم إناث ، منهم أولاد نوح عليه السلام : سام ، وحام ، ويافث ، ونساؤهم . وعن محمد بن إسحاق : كانوا عشرة . خمسة رجال وخمس نسوة . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : "كانوا ثمانية : نوح وأهله وبنوه الثلاثة " والضمير في "وجعلناها" للسفينة أو للحادثة والقصة .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية