الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أمر بالوفاء؛ ونهى عن النقض؛ شرع في تأكيد وجوب الوفاء؛ وتحريم النقض؛ وتقبيحه؛ تنفيرا منه؛ فقال (تعالى): ولا تكونوا ؛ أي: في نقضكم لهذا الأمر المعنوي؛ كالتي نقضت غزلها ؛ ولما كان النقض لم يستغرق زمان البعد؛ قال (تعالى): من بعد قوة ؛ عظيمة حصلت له؛ أنكاثا ؛ أي: أنقاضا؛ جمع "نكث"؛ وهو كل شيء نقض بعد الفتل؛ سواء كان حبلا أو غزلا؛ فهو مصدر مجموع من "نقضت"؛ لأنه بمعنى: "نكثت"؛ قال في القاموس: "النكث"؛ بالكسر: أن تنقض أخلاق الأكسية لتغزل ثانية؛ فيكون مثل "جلست قعودا"؛ أي: فتكونوا بفعلكم ذلك كهذه المرأة التي ضربتم المثل بها في الخرق؛ مع ادعائكم أنه يضرب بأدناكم المثل في العقل؛ ثم وصل بذلك ما يعرف أنهم أسفه من تلك المرأة؛ بسبب أن ضررها لا يتعداها؛ وأما الضرر بفعلهم فإنه مفسد لذات البين؛ فقال (تعالى): تتخذون [ ص: 243 ] أي: بتكليف الفطرة الأولى ضد ما تدعو إليه من الوفاء؛ أيمانكم دخلا ؛ أي: فيضمحل كونها أيمانا؛ إلى كونها ذريعة إلى الفساد؛ بالخداع؛ والغرور؛ بينكم ؛ من حيث إن المحلوف له يطمئن؛ فيفجأه الضرر؛ ولو كان على حذر لما نيل منه؛ ولا جسر عليه؛ وكل ما أدخل في الشيء على فساد فهو دخل؛ أن ؛ أي: تفعلون ذلك بسبب أن تكون أمة ؛ أي: وهي الخادعة؛ أو المخدوعة؛ لأجل سلامتها؛ هي ؛ أي: خاصة؛ أربى ؛ أي: أزيد؛ وأعلى؛ من أمة ؛ في القوة؛ أو العدد؛ فإذا وجدت نفادا لزيادتها غدرت.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما عظم عليهم النقض؛ وبين أن من أسبابه الزيادة؛ حذرهم غوائل البطر؛ فقال (تعالى): إنما يبلوكم ؛ أي: يختبركم؛ الله ؛ أي: الذي له الأمر كله؛ به ؛ أي: يعاملكم معاملة المختبر بالأيمان؛ والزيادة؛ ليظهر للناس تمسككم بالوفاء؛ أو انخلاعكم منه؛ اعتمادا على كثرة أنصاركم؛ وقلة أنصار من نقضتم عهده من المؤمنين؛ أو غيرهم؛ مع قدرته - سبحانه - على ما يريد؛ فيوشك أن يعاقب بالمخالفة؛ فيضعف القوي؛ ويقلل [ ص: 244 ] الكثير؛ وليبينن لكم ؛ أي: إذا تجلى لفصل القضاء؛ يوم القيامة ؛ مع هذا كله؛ ما كنتم ؛ أي: بجبلاتكم؛ فيه تختلفون ؛ فاحذروا يوم العرض على ملك الملوك؛ بحضرة الرؤساء؛ والملوك؛ وجميع المعبودات؛ والكل بحضرته الشماء داخرون؛ ولديه صاغرون؛ ومن نوقش الحساب يهلك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية