الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويجوز لمن أراد خطبة امرأة النظر إلى وجهها من غير خلوة بها ، وعنه : له النظر إلى ما يظهر غالبا ، كالرقبة واليدين والقدمين ، وله النظر إلى ذلك وإلى الرأس والساقين من الأمة المستامة ، ومن ذوات محارمه ، وعنه : لا ينظر من ذوات محارمه إلا الوجه والكفين ، وللعبد النظر إليهما من مولاته ، ولغير أولي الإربة من الرجال كالكبير والعنين ونحوهما النظر إلى ذلك ، وعنه : لا يباح ، وللشاهد والمبتاع النظر إلى وجه المشهود عليها ومن تعامله ، وللطبيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره .

                                                                                                                          وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى ما فوق السرة وتحت الركبة ، فإن كان ذا شهوة ، فهو كذي المحرم ، وعنه : كالأجنبي . وللمرأة مع المرأة ، والرجل مع الرجل النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة ، وعنه : أن الكافرة مع المسلمة كالأجنبي .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويجوز ) وجزم جماعة بالاستحباب ( لمن أراد خطبة امرأة النظر إلى وجهها ) فقط قدمه في " المستوعب " ، و " الرعاية " ; لأنه مجمع المحاسن ، ويكرر النظر إليها ، ويتأمل محاسنها مطلقا إذا غلب على ظنه إجابته ، لا نظر تلذذ وشهوة ولا لريبة ، ولا خلاف في إباحة النظر إلى الوجه ; لأنه ليس بعورة ( من غير خلوة بها ) ; لما روى ابن عباس مرفوعا ، قال : لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم متفق عليه ، ولفظه للبخاري ; ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور ; لقوله عليه السلام : لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما رواه أحمد ( وعنه : له النظر إلى ما يظهر غالبا ، كالرقبة ، واليدين ، والقدمين ) قدمه في " المحرر " و " الفروع " ; لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا خطب أحدكم المرأة ، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل رواه أحمد ، وأبو داود من رواية ابن إسحاق ، قال أحمد : لا بأس أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها من يد أو جسم أو نحو ذلك ; لأنه عليه السلام لما أذن في النظر إليها من غير علمها ، علم أنه أذن في النظر إلى ما يظهر غالبا ; إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره [ ص: 8 ] له في الظهور ، وقيل : ورأس وساق ، وعنه : وكف ، وقال أبو بكر : لا بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة .

                                                                                                                          ( وله النظر إلى ذلك ، وإلى الرأس ، والساقين من الأمة المستامة ) ; لأن الحاجة داعية إلى ذلك ; ولأن رؤية ما ذكر يحصل المقصود به ; لأنها تراد للاستمتاع وغيره من التجارة ، وحسنها يزيد في ثمنها ، وعنه : سوى عورة الصلاة ، وقيل : كمخطوبة ، نقل حنبل : لا بأس أن يقلبها - إذا أراد شراء - من فوق الثوب ; لأنه حرمة لها ، قال القاضي : أجاز تقليب الصدر والظهر ، بمعنى : لمسه من فوق الثياب ، وظاهره : أن الأمة إذا لم تكن مستامة ، أنه لا يجوز النظر إليها ، وهو وجه ( و ) له النظر إلى ذلك ( من ذوات محارمه ) أي : الصحيح إباحة النظر إلى ما يظهر غالبا منهن للحاجة ; ولأن امرأة أبي حذيفة قالت : إن سالما يراني ( وعنه : لا ينظر من ذوات محارمه إلا إلى الوجه والكفين ) ; لقول ابن عباس في قوله تعالى ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها [ النور : 31 ] يعني وجهها وكفيها مع الاختلاف في العورة ، وذوات المحارم : من حرم نكاحها على التأبيد ; بنسب أو رضاع أو تحريم مصاهرة ، فأما أم المزني وابنتها فلا يحل له النظر ، وإن حرم نكاحهن كالمحرمة باللعان ، وكذا بنت الموطوءة بشبهة وأمها ; فإنها ليست من ذوات محارمه .

                                                                                                                          فرع : ظاهر كلامهم : لا ينظر عبد مشترك ، ولا ينظر الرجل مشتركة ; لعموم النظر ، إلا من عبده وأمته ، ونصه : أنه يحرم نظر خصي ومجبوب إلى أجنبية .

                                                                                                                          ( وللعبد النظر إليهما ) أي إلى الوجه والكفين ( من مولاته ) ; لقوله تعالى [ ص: 9 ] أو ما ملكت أيمانهم [ المؤمنون : 6 ] ; ولما روى أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى فاطمة بعبد وهبه لها ، قال : وعلى فاطمة ثوب ، إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها ، وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه ليس عليك بأس ، إنما هو أبوك وغلامك رواه أبو داود ، وكره أحمد النظر إلى شعرها ، رواه أبو بكر ، عن جابر ، وأباحه ابن عباس ، ورجحه في " المغني " ، وجعله من ذوات المحارم ، وذكر السامري في النظر إلى الوجه والكفين للحاجة ، ولا يخلو بها ; لأنه ليس بمحرم لها على الأصح ( ولغير أولي الإربة من الرجال كالكبير والعنين ونحوهما - النظر إلى ذلك ) أي : إلى الوجه والكفين ; لقوله تعالى أو التابعين غير أولي الإربة [ النور : 31 ] أي غير أولي الحاجة ، وعن مجاهد وقتادة : هو الذي لا أرب له في النساء ، وعن ابن عباس نحوه ، ( وعنه : لا يباح ) كالذي له أرب ( وللشاهد والمبتاع النظر إلى وجه المشهود عليها ) ; لتكون الشهادة على عينها ، ( ومن تعامله ) ; ليعرفها بعينها ، فيرجع عليها بالدرك ، ونصه : وكفيها مع الحاجة ، وفي مختصر ابن رزين : ينظران إلى ما يظهر غالبا ، ونقل حرب وغيره : ينظر البائع إلى وجهها وكفيها إن كانت عجوزا ، وإن كانت شابة تشتهى أكره ذلك ، ( وللطبيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره ) ولمسه حتى داخل الفرج ; لأنه عليه السلام لما حكم سعدا في بني قريظة ، فكان يكشف عن مؤتزرهم ; لأنه موضع حاجة ، وظاهره ولو كان ذميا ، وفي " الفروع " : يجوز أن يستطب ذميا إذا لم يجد غيره ، ولم يجوزه صاحب " النظم " في وجه ، وكره أحمد أخذ الدواء من كافر لا يعرف مفرداته ، قال القاضي : لأنه لا يؤمن أن يخلطوه سما أو نجسا ، وإنما يرجع إليه في دواء مباح [ ص: 10 ] وكرهه في " الرعاية " ، وأن يستطبه بلا ضرورة .

                                                                                                                          خاتمة : من يلي خدمة مريض ومريضة في استنجاء ، ووضوء ، وغيرها كطبيب ، نص عليه ، وكذا حالق لمن لا يحسن حلق عانته نصا .

                                                                                                                          ( وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى ما فوق السرة وتحت الركبة ) ; لأنه لا شهوة له ، أشبه بالطفل ; ولأن المحرم للرؤية في حق البالغ كونه محلا للشهوة ، وهو معدوم هنا ، وقال في " الشرح " : الطفل غير المميز لا يجب الاستتار منه في شيء ( فإن كان ذا شهوة ، فهو كذي المحرم ) على المذهب ; لأن الله تعالى فرق بين البالغ وغيره بقوله : وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا [ النور : 59 ] ولو لم يكن له النظر لما كان بينهما فرق ، ( وعنه : كالأجنبي ) ; لأنه في معنى البالغ في الشهوة ، ومثله بنت تسع ، وذكر أبو بكر قول أحمد رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا بلغت الحيض ، فلا تكشف إلا وجهها ونقل جعفر في الرجل عنده الأرملة واليتيمة : لا ينظر ، وأنه لا بأس بنظر الوجه بلا شهوة ( وللمرأة مع المرأة والرجل مع الرجل النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة ) ولو أمرد ينظر غير العورة ; لأن النساء الكوافر كن يدخلن على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن يحتجبن ، ولا أمرن بحجاب ; لأن الحجب بين الرجال والنساء لا يوجد بين المسلمة والذمية ; ولأن تخصيص العورة بالنهي دليل على إباحة النظر إلى غيرها ، ( وعنه : أن الكافرة مع المسلمة كالأجنبي ) ; لقوله تعالى أو نسائهن [ النور : 31 ] ينصرف إلى المسلمات ، فلو جاز للكافرة النظر لم يبق للتخصيص فائدة ، وعنه : منعها من مسلمة مما [ ص: 11 ] لا يظهر غالبا ، وعلى ذلك يقبلها لضرورة .




                                                                                                                          الخدمات العلمية