الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب اللقطة الصغيرة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : في اللقطة مثل حديث مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء { وقال : في ضالة الغنم إذا وجدتها في موضع مهلكة فهي لك فكلها ، فإذا جاء صاحبها فاغرمها له . } { وقال : في المال يعرفه سنة ثم يأكله إن شاء فإن جاء صاحبه غرمه له } ، وقال : { يعرفها سنة ثم يأكلها موسرا كان ، أو معسرا إن شاء } إلا أني لا أرى له أن يخلطها بماله ، ولا يأكلها حتى يشهد على عددها ووزنها وظرفها وعفاصها ووكائها فمتى جاء صاحبها غرمها له ، وإن مات كانت دينا عليه في ماله ، ولا يكون عليه في الشاة يجدها بالمهلكة تعريف إن أحب أن يأكلها فهي له ومتى لقي صاحبها غرمها له ، وليس ذلك له في ضالة الإبل ، ولا البقر ; لأنهما يدفعان عن أنفسهما ، وإنما كان ذلك له في ضالة الغنم والمال ; لأنهما لا يدفعان عن أنفسهما ، ولا يعيشان والشاة يأخذها من أرادها وتتلف لا تمتنع من السبع إلا أن يكون معها من يمنعها والبعير والبقرة يردان المياه ، وإن تباعدت ويعيشان أكثر عمرهما بلا راع فليس له أن يعرض لواحد منهما والبقر قياسا على الإبل .

( قال الشافعي ) وإن وجد رجل شاة ضالة في الصحراء فأكلها ثم جاء صاحبها قال : يغرمها خلاف مالك .

( قال الشافعي ) ابن عمر لعله أن لا يكون سمع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في اللقطة ، ولو لم يسمعه انبغى أن يقول لا يأكلها كما قال ابن عمر انبغى أن يفتيه أن يأخذها وينبغي للحاكم أن ينظر فإن كان الآخذ لها ثقة أمره بتعريفها وأشهد شهودا على عددها وعفاصها ووكائها أمره أن يوقفها في يديه إلى أن يأتي ربها فيأخذها ، وإن لم يكن ثقة في ماله وأمانته أخرجها من يديه إلى من يعف عن الأموال ليأتي ربها وأمره بتعريفها لا يجوز لأحد ترك لقطة وجدها إذا كان من أهل الأمانة ، ولو وجدها فأخذها ثم أراد تركها لم يكن ذلك له ، وهذا في كل ما [ ص: 69 ] سوى الماشية فأما الماشية فإنها تخرق بأنفسها فهي مخالفة لها ، وإذا وجد رجل بعيرا فأراد رده على صاحبه فلا بأس بأخذه ، وإن كان إنما يأخذه ليأكله فلا ، وهو ظالم ، وإن كان للسلطان حمى ، ولم يكن على صاحب الضوال مؤنة تلزمه في رقاب الضوال صنع كما صنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه تركها في الحمى حتى يأتي صاحبها ، وما تناتجت فهو لمالكها ويشهد على نتاجها كما يشهد على الأم حين يجدها ويوسم نتاجها ويوسم أمهاتها ، وإن لم يكن للسلطان حمى وكان يستأجر عليها فكانت الأجرة تعلق في رقابها غرما رأيت أن يصنع كما صنع عثمان بن عفان إلا في كل ما عرف أن صاحبه قريب بأن يعرف بعير رجل بعينه فيحبسه ، أو يعرف وسم قوم بأعيانهم حبسها لهم اليوم واليومين والثلاثة ونحو ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية