الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اعلم أنه قد وقع الاتفاق على أنه حجة في الأمور الدنيوية .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي : كما في الأدوية ، والأغذية .
وكذلك اتفقوا على حجية القياس الصادر منه - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وإنما وقع الخلاف في nindex.php?page=treesubj&link=21708القياس الشرعي : فذهب الجمهور من الصحابة ، والتابعين ، والفقهاء ، والمتكلمين إلى ( أن القياس الشرعي ) أصل من أصول الشريعة ، يستدل به على الأحكام التي لم يرد بها السمع .
قال في المحصول : اختلف الناس في القياس الشرعي : فقالت طائفة : العقل يقتضي جواز التعبد به في الجملة ، وقالت طائفة : العقل يقتضي المنع من التعبد به ، والأولون قسمان ، منهم من قال : وقع التعبد به ، ومنهم من قال : لم يقع .
أما من اعترف بوقوع التعبد به ، فقد اتفقوا على أن السمع دل عليه ، ثم اختلفوا في ثلاثة مواضع :
( الأول ) : أنه هل في العقل ما يدل عليه ، فقال القفال منا ، وأبو الحسين البصري ، من المعتزلة : العقل يدل على وجوب العمل به ، وأما الباقون منا ومن المعتزلة فقد أنكروا ذلك .
( والثاني ) : أن أبا الحسين البصري زعم أن دلالة الدلائل السمعية عليه ظنية ، والباقون قالوا : قطعية .
( والثالث ) : أن القاساني والنهرواني ذهبا إلى العمل بالقياس في صورتين :
[ ص: 582 ] ( إحداهما ) : إذا كانت العلة منصوصة بصريح اللفظ ، أو بإيمائه .
( والصورة الثانية ) : كقياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف ، وأما جمهور العلماء فقد قالوا بسائر الأقيسة .
وأما القائلون بأن التعبد لم يقع به ، فمنهم من قال : لم يوجد في السمع ما يدل على وقوع التعبد به ، فوجب الامتناع من العمل به .
ومنهم من لم يقنع بذلك ، بل تمسك في نفيه بالكتاب ، والسنة ، وإجماع الصحابة ، وإجماع العترة .
( وأما القسم الثاني ) : وهم الذين قالوا : بأن العقل يقتضي المنع من التعبد به ، فهم فريقان :
( أحدهما ) : خصص ذلك المنع بشرعنا ، وقال : لأن مبنى شرعنا الجمع بين المختلفات ، والفرق بين المتماثلات ، وذلك يمنع من القياس ، وهو قول النظام ، والفريق الثاني : الذين قالوا يمتنع ورود التعبد به في كل الشرائع انتهى .
قال الأستاذ أبو منصور : nindex.php?page=treesubj&link=21701المثبتون للقياس اختلفوا فيه على أربعة مذاهب :
( أحدها ) : ثبوته في العقليات ، والشرعيات ، وهو قول أصحابنا من الفقهاء ، والمتكلمين ، وأكثر المعتزلة .
( والثاني ) : ثبوته في العقليات ، دون الشرعيات ، وبه قال جماعة من أهل الظاهر .
( والثالث ) : نفيه في العلوم العقلية ، وثبوته في الأحكام الشرعية ، التي ليس فيها نص ، ولا إجماع ، وبه قال طائفة من القائلين بأن المعارف ضرورية .
( والرابع ) : نفيه في العقليات والشرعيات .
وبه قال أبو بكر بن داود الأصفهاني انتهى .
والمثبتون له اختلفوا أيضا .
قال الأكثرون : هو دليل بالشرع .
وقال القفال وأبو الحسين البصري : هو دليل بالعقل ، والأدلة السمعية وردت مؤكدة له .
[ ص: 583 ] وقال الدقاق : يجب العمل به بالعقل والشرع ، وجزم به nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة في الروضة ، وجعله مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل لقوله : لا يستغني أحد عن القياس . قال : وذهب أهل الظاهر ، والنظام إلى امتناعه عقلا وشرعا ، وإليه ميل nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل لقوله : يجتنب المتكلم في الفقه المجمل والقياس .
وقد تأوله nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى على ما إذا كان القياس مع وجود النص; لأنه حينئذ يكون فاسد الاعتبار .
ثم اختلف القائلون به أيضا اختلافا آخر ، وهو دلالة السمع عليه قطعية أو ظنية ، فذهب الأكثرون إلى الأول ، وذهب أبو الحسين nindex.php?page=showalam&ids=14552والآمدي إلى الثاني .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=21706المنكرون للقياس ، فأول من باح بإنكار " النظام " وتابعه قوم من المعتزلة ، كجعفر بن حرب ، وجعفر بن حبشة ومحمد بن عبد الله الإسكافي وتابعهم على نفيه في الأحكام nindex.php?page=showalam&ids=15858داود الظاهري .
قال أبو القاسم البغدادي فيما حكاه عنه nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في كتاب جامع العلم ما علمت أحدا سبق النظام إلى القول بنفي القياس .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في كتاب جامع العلم أيضا : " لا خلاف بين فقهاء الأمصار وسائر أهل السنة في نفي القياس في التوحيد ، وإثباته في الأحكام إلا داود ، فإنه نفاه فيهما جميعا .
قال : ومنهم من أثبته في التوحيد ، ونفاه في الأحكام .
[ ص: 584 ] وحكى nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب الطبري عن داود النهرواني ، والمغربي والقاساني : أن القياس محرم بالشرع .
قال الأستاذ أبو منصور : وأما داود فزعم أنه لا حادثة إلا وفيها حكم منصوص عليه في القرآن ، أو السنة ، أو معدول عنه بفحوى النص ودليله ، وذلك يغني عن القياس .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان : ذهب داود وأتباعه إلى أن القياس في دين الله باطل ، ولا يجوز القول به . قال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في الأحكام : ذهب أهل الظاهر إلى إبطال القول بالقياس جملة ، وهو قولنا الذي ندين الله به ، والقول بالعلل باطل انتهى .
والحاصل : أن nindex.php?page=showalam&ids=15858داود الظاهري وأتباعه لا يقولون بالقياس ، ولو كانت العلة منصوصة .
ونقل القاضي أبو بكر ، nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي ، عن القاساني ، والنهرواني : القول به فيما إذا كانت العلة منصوصة .
وقد استدل المانعون من القياس بأدلة عقلية ونقلية ، ولا حاجة لهم إلى الاستدلال ، فالقيام في مقام المنع يكفيهم ، وإيراد الدليل على القائلين بها ، وقد جاءوا بأدلة عقلية لا تقوم بها الحجة ، فلا نطول البحث بذكرها .