الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 291 ] 195 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أحب الصيام إلى الله عز وجل .

1253 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى وعيسى بن إبراهيم الغافقي جميعا ، قالا : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو وهو ابن دينار ، عن عمرو بن أوس سمع عبد الله بن عمرو يقول : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أحب الصيام إلى الله جل وعز صيام داود كان يفطر يوما ويصوم يوما ، وأحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه .

1254 - وحدثنا بكار بن قتيبة قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار أن عمرو بن أوس أخبره عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أحب [ ص: 292 ] الصيام إلى الله عز وجل صيام داود كان يصوم نصف الدهر ، وأحب الصلاة إلى الله عز وجل صلاة داود كان يرقد شطر الليل ثم يقوم ثلث الليل بعد شطره ثم يرقد آخره .

فقلت لعمرو بن دينار : عمرو بن أوس كان يقول: ثلث الليل بعد شطره ؟ قال : نعم .

فقال قائل : كيف تقبلون هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنتم تروون عنه فذكر .

1255 - ما قد حدثنا محمد بن خزيمة قال : حدثنا عبد الله بن رجاء الغداني قال : حدثنا زائدة بن قدامة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن محمد بن المنتشر ، عن حميد الحميري ، عن أبي هريرة قال : أتى رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أي الصلاة بعد المكتوبة أفضل ؟ فقال : صلاة في جوف الليل . قال : فأي الصيام أفضل ؟ قال : شهر الله الذي تدعونه المحرم .

[ ص: 293 ] قال : ففي هذا الحديث أن أفضل الصيام شهر الله الذي يدعى المحرم ، فكيف يكون صوم يوم وإفطار يوم أحب إلى الله عز وجل من صوم سواه مما هو أفضل الصيام ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن صوم المحرم أفضل الأوقات التي يصام فيها التطوع ، فكان ذلك صوما خاصا في وقت من الدهر خاص ، وكان صوم يوم وإفطار يوم صوما دائما ، وكان أحب الأعمال إلى الله عز وجل أدومها وإن قل . فذكرنا ذلك عنه فيما تقدم منا من كتابنا هذا ، فكان تصحيح هذين الحديثين جميعا على أن مع صوم المحرم فضل الوقت ، وكان مع الصوم الآخر الدوام ، فكان بذلك كل واحد من هذين الحديثين في معنى غير المعنى الذي فيه صاحبه .

وبان بذلك أن أحب الصوم إلى الله عز وجل صوم يوم وإفطار يوم لدوام الذي معه ، وأن أحب الأوقات إلى الله عز وجل الذي يتطوع بالصوم له فيها هو المحرم ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية