الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
18 - باب ذكر اللفظية ، ومن زعم أن هذا القرآن حكاية للقرآن الذي في اللوح المحفوظ - كذبوا

قال محمد بن الحسين :

[ ص: 533 ] [ ص: 534 ] احذروا رحمكم الله هؤلاء الذين يقولون إن لفظه بالقرآن مخلوق ، وهذا عند أحمد بن حنبل ومن كان على طريقته منكر عظيم ، وقائل هذا مبتدع ، يجتنب ولا يكلم ولا يجالس ، ويحذر منه الناس ، لا يعرف العلماء غير ما تقدم ذكرنا له ، وهو أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال : مخلوق [ ص: 535 ] فقد كفر ، ومن قال : " القرآن كلام الله " ووقف فهو جهمي . ومن قال ( لفظي بالقرآن مخلوق ) فهو جهمي ، كذا قال أحمد بن حنبل ، وغلظ فيه القول جدا ، وكذلك من قال : [ لفظي بالقرآن [ غير ] مخلوق فقد ابتدع وجاء بما لا يعرفه العلماء ، كذلك قال ، وغلظ القول فيه أحمد بن حنبل جدا وكذلك ] من قال : إن هذا القرآن الذي يقرؤوه الناس ، وهو في المصاحف حكاية لما في اللوح المحفوظ فهذا منكر ، تنكره العلماء .

يقال لقائل هذه المقالة : القرآن يكذبك ، ويرد قولك والسنة تكذبك وترد قولك .

قال الله تعالى : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) فأخبر الله تعالى : أنه إنما يستمع الناس كلام الله تعالى ، ولم يقل : حكاية كلام الله .

وقال تعالى : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم [ ص: 536 ] ترحمون ) فأخبر أن السامع إنما يسمع القرآن ، ولم يقل حكاية القرآن .

وقال تعالى : ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) ، وقال تعالى : ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) .

وقال تعالى : ( قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ) . . . ولم يقل يستمعون حكاية القرآن ، ولا قالت الجن : ( إنا سمعنا حكاية القرآن ) كما قال من ابتدع بدعة ضلالة وأتى بخلاف الكتاب والسنة وبخلاف قول المؤمنين .

وقال تعالى : ( فاقرؤوا ما تيسر من القرآن ) .

قال محمد بن الحسين :

وهذا في القرآن كثير لمن تدبره .

[ ص: 537 ] وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل الذي ليس في جوفه من القرآن شيء كالبيت الخرب " .

وقال صلى الله عليه وسلم : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) وقال صلى الله عليه وسلم : " مثل القرآن مثل الإبل المعقلة إن تعاهدها صاحبها أمسكها ، وإن تركها ذهبت " .

وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو " وفي حديث آخر : " لا تسافروا بالمصاحف إلى العدو ، فإني أخاف أن ينالوها " .

[ ص: 538 ] وقال صلى الله عليه وسلم : " لا حسد إلا في اثنتين ، رجل آتاه الله القرآن ، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار " .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألف عام ، فلما سمعت الملائكة القرآن ، قالوا : طوبى لأمة ينزل عليهم هذا وطوبى لألسن تتكلم بهذا ، وطوبى لأجواف تحمل هذا ) .

وقال ابن مسعود : ( تعلموا القرآن واتلوه ، فإن لكم بكل حرف عشر حسنات ) .

[ ص: 539 ] وفي السنن مما ذكرناه كثير والحمد لله .

قال محمد بن الحسين رحمه الله :

فينبغي للمسلمين أن يتقوا الله تعالى ، ويتعلموا القرآن ، ويتعلموا أحكامه ؛ فيحلوا حلاله ويحرموا حرامه ، ويعملوا بمحكمه ، ويؤمنوا بمتشابهه ، ولا يماروا فيه ، ويعلموا أنه كلام الله تعالى غير مخلوق .

فإن عارضهم إنسان جهمي فقال : مخلوق ، أو قال : القرآن كلام الله ووقف ، أو قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، أو قال : هذا القرآن حكاية لما في اللوح المحفوظ فحكمه أن يهجر ولا يكلم ولا يصلى خلفه ، ويحذر منه .

وعليكم بعد ذلك بالسنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنن أصحابه رضي الله عنهم ، وقول التابعين ، وقول أئمة المسلمين مع ترك المراء والخصومة والجدال في الدين ، فمن كان على هذا الطريق رجوت له من الله تعالى كل خير .

[ ص: 540 ] وسأذكر بعد ذلك ما لا بد [ منه ] لمن كان هذا مذهبه وعلمه والعمل به من معرفة الإيمان ، وشريعة الإسلام حالا بعد حال ، والله الموفق لكل رشاد ، والمعين عليه إن شاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية