الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة تسع وعشرين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه ورد الكتاب من عكبرا بأن قوما من أهلها اجتمعوا [في] ليلة الميلاد لإشعال النار على عادتهم في ذلك ، وصعدت طائفة منهم إلى روشن في المكان وتكاثروا عليه فسقط على الباقين فمات ثلاثة وأربعون نفسا منهم ست نسوة إحداهن حبلى .

وفي يوم الجمعة التاسع من جمادى الأولى: حضر أبو الحسن ابن القزويني الزاهد الجامع والخطيب على المنبر فاختلط الناس بين آت معه وناهض لتلقيه ومتشوق إلى رؤيته ، ووقع الصياح فظن قوم أنه للصلاة ، فقاموا ووقفوا طويلا إلى أن عرفوا الحال ، فجلسوا وقعد القزويني عند المنبر ، فلما قضيت الصلاة وضع منبر من وراء الشباك دون المقصورة ، فوقف عليه ابن المذهب الواعظ فحمد الله وأثنى عليه وقرأ أحاديث الرؤية: "أنكم ترون ربكم" . فناداه ابن التميمي الواعظ! اذكر في كل باب حديثا ، فلم يلتفت إلى قوله ، فقام التميمي فتخطى رقاب الناس وصعد على المنبر وأخذ الكتاب من يده ، وقرأ أحاديث الصفات ثم التفت إلى ابن القزويني فقال: إن رأى الشيخ الزاهد أن يقول قولا تسمعه الجماعة فيروونه عنه . فقال: بلغهم عني أن القرآن كلام الله ، وأن الجدال بدعة ، والمتكلمين على ضلالة فذكر نحو هذا .

وفي رجب حلف جلال الدولة للملك أبي كاليجار ، وحلف له أيضا أن لا يجري من أحدهما ما يؤذي الآخر . [ ص: 264 ]

وفي سلخ رجب: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء والوجوه إلى بيت النوبة ، واستدعى جاثليق النصارى ورأس جالوت اليهود ، وخرج توقيع الخليفة في أمر العيار وإلزام أهل الذمة إياه ، وكان في التوقيع: "بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد ، فإن الله تعالى بعزته التي لا تحاول وقدرته التي لا تطاول اختار الإسلام دينا وارتضاه وشرفه [وأعلاه] وبعث به محمدا واجتباه وأذل من ناواه ، فقال تعالى: وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم وقال: ليظهره على الدين كله وأمير المؤمنين يرى أن من أقرب الوسائل إلى الله به بقاء ما كان حافظا للشرع ومجددا لمعالمه وقد كان الخلفاء الراشدون [فرضوا] على أهل الذمة المعاهدين حدودا معقودة على الاستشعار والإخبات والاستكانة ، والتفرد عن المسلمين إعظاما للإسلام وأهله ولما تطرق على هذه السنة الإغفال واستمر فيها الإهمال اطرحت هذه الطائفة دواعي الاحتراس ، وتشبهت بالمسلمين في زيهم ، فرأى أمير المؤمنين الإيعاز إلى جميع أهل الذمة بتغيير اللباس الظاهر مما يعرفون به عند المشاهدة ، فليعلم ذلك من رأى أمير المؤمنين" فقالوا: السمع والطاعة . وفي رمضان: استقر أن يزاد في ألقاب جلال الدولة شاهنشاه الأعظم ملك الملوك ، فأمر الخليفة بذلك فخطب له به فنفر العامة ورموا الخطباء بالآجر ، ووقعت فتنة ، وكتب إلى الفقهاء في ذلك ، فكتب أبو عبد الله الصيمري الحنفي أن هذه الأسماء يعتبر فيها القصد والنية ، وقد قال الله تعالى: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا وقال تعالى: وكان وراءهم ملك وإذا كان في الأرض طول جاز أن يكون بعضهم [ ص: 265 ] فوق بعض لتفاضلهم في القوة والإمكان وجائز أن يكون بعضهم أعظم من بعض ، وليس في ما يوجب التكبر ولا المماثلة بين الخالق والمخلوقين .

وكتب أبو الطيب الطبري أن إطلاق ملك الملوك جائز ويكون معناه ملك ملوك الأرض فإذا جاز أن يقال كافي الكفأة وقاضي القضاة جاز ملك الملوك فإذا كان في اللفظ ما يدل على أن المراد به ملوك الأرض زالت الشبهة ، وفيه قولهم: اللهم أصلح الملك فينصرف الكلام إلى المخلوقين .

وكتب التميمي نحو ذلك ، وقد حكي عن قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي أنه كتب قريبا من ذلك ، وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني المؤرخ أن الماوردي منع من جواز ذلك ، وكان مختصا بخدمة جلال الدولة ، فلما امتنع عن الكتابة انقطع عن خدمته ، واستدعاهجلال الدولة بكرة يوم العيد ، فمضى على وجل شديد يتوقع المكروه ، فلما دخل على الملك قال له: أنا أتحقق أنك لو حابيت أحدا لحابيتني لما بيني وبينك مع كونك أكثر الفقهاء مالا وأوفاهم جاها وحالا وما حملك على مخالفتي إلا الدين ، وقد قربك ذلك مني وزاد محلك في قلبي ، وقدمتك على نظائرك عندي .

قال المصنف: الذي ذكره الأكثرون في جواز أن يقال ملك الملوك هو القياس إذا قصد به ملوك الدنيا إلا أني لا أرى إلا ما رآه الماوردي ، لأنه قد صح في الحديث ما يدل على المنع ، ولكن الفقهاء المتأخرين عن النقل بمعزل .

خبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين ، أخبرنا الحسن بن علي بن المذهب ، أخبرنا أبو بكر بن مالك القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى بملك الأملاك" . قال أحمد : سألت أبا عمر والشيباني عن أخنع ، فقال: أوضع .

أخرجه البخاري عن علي ، وأخرجه مسلم عن الإمام أحمد كلاهما ، عن سفيان ، وقال سفيان: هو مثل شاهنشاه . [ ص: 266 ]

وأخرجه مسلم من حديث همام ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه رجل يسمى ملك الأملاك ، لا ملك إلا الله" .

وأخبرنا ابن الحصين ، أخبرنا ابن المذهب ، أخبرنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا عوف ، عن الخلاس ، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشتد غضب الله على رجل قتله نبيه ، واشتد غضب الله على رجل تسمى بملك الأملاك ، لا ملك إلا الله سبحانه وتعالى " .

التالي السابق


الخدمات العلمية