الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور . بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يعلم ما يلج في الأرض ، أي : ما يدخل فيها كالماء النازل من السماء ، الذي يلج في الأرض ; كما أوضحه بقوله تعالى : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض الآية [ 39 \ 21 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض الآية [ 23 \ 18 ] ، فهو جل وعلا يعلم عدد القطر النازل من السماء إلى الأرض ، وكيف لا يعلمه من خلقه : ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير [ 67 \ 14 ] ، ويعلم أيضا ما يلج في الأرض من الموتى الذين يدفنون فيها ; كما قال جل وعلا : منها خلقناكم وفيها نعيدكم [ 20 \ 55 ] ، وقال : ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء ‎وأمواتا [ 77 \ 25 - 26 ] ، والكفات من الكفت : وهو الضم ; لأنها تضمهم أحياء على ظهرها ، وأمواتا في بطنها ، ويعلم أيضا ما يلج في الأرض من البذر ; كما قال تعالى : ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين [ 6 \ 59 ] ، وكذلك ما في بطنها من المعادن ، وغير ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وما يخرج منها ، أي : من الأرض كالنبات والحبوب ، والمعادن ، والكنوز ، والدفائن وغير ذلك ، ويعلم وما ينزل من السماء من المطر ، والثلج ، والبرد ، والرزق وغير ذلك . وما يعرج ، أي : يصعد فيها ، أي : السماء ، كالأعمال [ ص: 262 ] الصالحة ; كما بينه بقوله : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [ 35 \ 10 ] ، وكأرواح المؤمنين وغير ذلك ; كما قال تعالى : تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة الآية [ 70 \ 4 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال تعالى : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون [ 32 \ 5 ] ، وما ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه يعلم جميع ما ذكر ، ذكره في سورة " الحديد " ، في قوله : يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور وقال الذين كفروا لا تأتينا [ 57 \ 4 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أوضحنا الآيات الدالة على كمال إحاطة علم الله بكل شيء في أول سورة " هود " ، في الكلام على قوله تعالى : ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه الآية [ 11 \ 5 ] ، وفي مواضع أخر متعددة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية