الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب من أعتق شركا له في عبد [ ص: 102 ] عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل ، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق } رواه الجماعة والدارقطني وزاد : { ورق ما بقي } وفي رواية متفق عليها : { من أعتق عبدا بينه وبين آخر قوم عليه في ماله قيمة عدل لا وكس ولا شطط ، ثم عتق عليه في ماله إن كان موسرا } وفي رواية : { من أعتق عبدا بين اثنين ، فإن كان موسرا قوم عليه ثم يعتق } رواه أحمد والبخاري وفي رواية : { من أعتق شركا له في مملوك وجب عليه أن يعتق كله إن كان له مال قدر ثمنه يقام قيمة عدل ويعطي شركاءه حصصهم ويخلي سبيل المعتق } رواه البخاري وفي رواية : { من أعتق نصيبا له في مملوك أو شركا له في عبد وكان له من المال ما بلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق } رواه أحمد والبخاري وفي رواية { من أعتق شركا له في عبد عتق ما بقي في ماله إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد } رواه مسلم وأبو داود )

                                                                                                                                            2601 - ( وعن ابن عمر : { أنه كان يفتي في العبد أو الأمة يكون بين شركاء ، فيعتق أحدهم نصيبه منه يقول : قد وجب عليه عتقه كله إذا كان للذي أعتق من المال ما يبلغ يقوم من ماله قيمة العدل ويدفع إلى الشركاء أنصباءهم ، ويخلى سبيل المعتق ، يخبر بذلك ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم } رواه البخاري ) .

                                                                                                                                            2602 - ( وعن أبي المليح عن أبيه : { أن رجلا من قومنا أعتق شقصا له من مملوكه ، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل خلاصه عليه في ماله وقال : ليس لله عز وجل شريك } رواه أحمد وفي لفظ : { هو حر كله ليس لله شريك } رواه أحمد ، ولأبي داود معناه ) . [ ص: 103 ]

                                                                                                                                            2603 - ( وعن إسماعيل بن أمية عن أبيه عن جده قال : { كان لهم غلام يقال له : طهمان أو ذكوان ، فأعتق جده نصفه ، فجاء العبد إلى النبي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تعتق في عتقك ، وترق في رقك ، قال : فكان يخدم سيده حتى مات } رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            2604 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من أعتق شقصا له من مملوكه فعليه خلاصه في ماله ، فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل ، ثم استسعي في نصيب الذي لم يعتق غير مشقوق عليه } رواه الجماعة إلا النسائي )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي المليح أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وقال النسائي : أرسله سعيد بن أبي عروبة وساقه عنه مرسلا وقال هشام : وسعيد أثبت من همام في قتادة وحديثهما أولى بالصواب ، وأبو المليح اسمه عامر ويقال : عمر ويقال : زيد ، وهو ثقة محتج بحديثه في الصحيحين ، وأبو أسامة بن عمير هذلي بصري له صحبة ، ولا يعلم أن أحدا روى عنه غير ابنه أبي المليح ، وقوى الحافظ في الفتح إسناد حديث أبي المليح قال : وأخرجه أحمد بإسناد حسن من حديث سمرة : { أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هو حر كله وليس لله شريك } .

                                                                                                                                            وحديث إسماعيل بن أمية قال في مجمع الزوائد : هو مرسل ورجاله ثقات وأخرجه الطبراني ، ويشهد له ما في حديث ابن عمر المذكور بلفظ : " وإلا فقد عتق عليه ما عتق " وما أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن ابن التلب بالتاء الفوقانية عن أبيه : { أن رجلا أعتق نصيبا له من مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وسلم } وحديث أبي هريرة قال أبو داود : ورواه روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة لم يذكر السعاية ا هـ ورواه يحيى بن سعيد وابن أبي عدي عن سعيد بن أبي عروبة لم يذكرا فيه السعاية ورواه يزيد بن زريع عن سعيد فذكر فيه السعاية وقال البخاري : رواه سعيد عن قتادة فلم يذكر فيه السعاية وقال الخطابي : اضطرب سعيد بن أبي عروبة في السعاية مرة يذكرها ومرة لا يذكرها ، فدل على أنها ليست من متن الحديث عنده وإنما هي من كلام قتادة ، وتفسيره على ما ذكره همام وبينه قال : ويدل على ذلك حديث ابن عمر ، يعني الذي فيه : " وإلا فقد عتق عليه ما عتق " وقال الترمذي : روى شعبة [ ص: 104 ] هذا الحديث عن قتادة ولم يذكر فيه السعاية وقال النسائي : أثبت أصحاب قتادة شعبة وهمام على خلاف سعيد بن أبي عروبة وصوب روايتهما قال : وقد بلغني أن هماما روى هذا الحديث عن قتادة ، فجعل قوله : " وإن لم يكن مال . . . إلخ " من قول قتادة وقال عبد الرحمن بن مهدي : أحاديث همام عن قتادة أصح من حديث غيره لأنه كتبه إملاء قال أبو بكر النيسابوري : ما أحسن ما رواه همام وضبطه فصل قول قتادة .

                                                                                                                                            وقال ابن عبد البر : الذين لم يذكروا السعاية أثبت ممن ذكرها وقال أبو محمد الأصيلي وأبو الحسن بن القصار وغيرهما : من أسقط السعاية أولى ممن ذكرها وقال البيهقي ; قد اجتمع ههنا شعبة مع فضل حفظه وعلمه بما سمع من قتادة وما لم يسمع وهشام مع فضل حفظه وهمام مع صحة كتابه وزيادة معرفته بما ليس من الحديث على خلاف سعيد بن أبي عروبة ومن تابعه في إدراج السعاية في الحديث وذكر أبو بكر الخطيب أن أبا عبد الرحمن بن يزيد المقري قال : رواه همام وزاد فيه ذكر الاستسعاء وجعله من قول قتادة وميزه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            قال ابن العربي : اتفقوا على أن ذكر الاستسعاء ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول قتادة ، وقد ضعف أحمد رواية سعيد بن أبي عروبة ، ولكنه قد تابع سعيدا على ذكر الاستسعاء جماعة كما ذكر ذلك البخاري ، ومنهم جرير بن حازم ، ومنهم حجاج بن حجاج عن قتادة ، ومنهم أحمد بن حفص أحد شيوخ البخاري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن حجاج وفيها ذكر السعاية ورواه عن قتادة أيضا حجاج بن أرطاة كما رواه الطحاوي ورواه أيضا عن قتادة أبان كما في سنن أبي داود ورواه أيضا موسى بن خلف عن قتادة كما ذكر ذلك الخطيب ورواه أيضا شعبة عن قتادة كما في صحيح مسلم والنسائي وقد رجح رواية سعيد للسعاية ، ورفعها جماعة منهم ابن دقيق العيد ، قالوا : لأن سعيد بن أبي عروبة أعرف بحديث قتادة لكثرة ملازمته له وكثرة أخذه عنه ، وإن كان همام وهشام أحفظ منه ، لكنه لم يناف ما روياه ، وإنما اقتصرا من الحديث عن بعضه ، وليس المجلس متحدا حتى يتوقف في زيادة سعيد ، ولهذا صحح صاحبا الصحيحين كون الجميع مرفوعا قال في الفتح : وأما ما أعل به حديث سعيد من كونه اختلط أو تفرد به فمردود لأنه في الصحيحين وغيرهما من رواية من سمع منه قبل الاختلاط كيزيد بن زريع ووافقه عليه أربعة وآخرون معهم لا نطيل بذكرهم ، وهمام هو الذي انفرد بالتفضيل .

                                                                                                                                            وهو الذي خالف الجميع في القدر المتفق على رفعه ، فإنه جعله واقعة عين ، وهم جعلوه حكما عاما ، فدل على أنه لم يضبطه كما ينبغي والعجيب ممن طعن في رفع الاستسعاء بكون همام جعله من قول قتادة ، ولم يطعن فيما يدل على ترك الاستسعاء وهو قوله في حديث ابن عمر : " وإلا فقد عتق منه ما عتق " بكون أيوب جعله من [ ص: 105 ] قول نافع وميزه كما صنع همام سواء ، فلم يجعلوه مدرجا كما جعلوا حديث همام مدرجا مع كون يحيى بن سعيد وافق أيوب في ذلك ، وهمام لم يوافقه أحد ، وقد جزم بكون حديث نافع مدرجا محمد بن وضاح وآخرون والذي يظهر أن الحديثين صحيحان مرفوعان وفاقا لصاحبي الصحيح قال ابن المواق : والإنصاف أن لا يوهم الجماعة بقول واحد مع احتمال أن يكون سمع قتادة يفتي به ، فليس بين تحديثه به مرة وفتياه أخرى منافاة ويؤيده أن البيهقي أخرج عن قتادة أنه أفتى به ومما يؤيد الرفع في حديث ابن عمر أعني قوله : " وإلا فقد عتق عليه ما عتق " إن الذي رفعه مالك وهو أحفظ لحديث نافع من أيوب ، وقد تابعه عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب كما قال البيهقي ، ولا شك أن الرفع زيادة معتبرة لا يليق إهمالها كما تقرر في الأصول وعلم الاصطلاح وما ذهب إليه بعض أهل الحديث من الإعلال لطريق الرفع بالوقف في طريق أخرى لا ينبغي التعويل عليه ، وليس له مستند ولا سيما بعد الإجماع على قبول الزيادة التي لم تقع منافية مع تعدد مجالس السماع .

                                                                                                                                            فالواجب قبول الزيادتين المذكورتين في حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة ، وظاهرهما التعارض ، والجمع ممكن لا كما قال الإسماعيلي

                                                                                                                                            وقد جمع البيهقي بين الحديثين بأن معناهما أن المعسر إذا أعتق حصته لم يسر العتق في حصة شريكه ، بل تبقى حصة شريكه على حالها وهي الرق ، ثم يستسعى العبد في عتق بقيته فيحصل ثمن الجزء لشريك سيده ويدفعه إليه ويعتق وجعلوه في ذلك كالمكاتب .

                                                                                                                                            وهو الذي جزم به البخاري

                                                                                                                                            قال الحافظ : والذي يظهر أنه في ذلك باختياره لقوله : غير مشقوق عليه فلو كان ذلك على سبيل اللزوم بأن يكلف العبد الاكتساب والطلب حتى يحصل ذلك لحصل له غاية المشقة وهي لا تلزم في الكتابة بذلك عند الجمهور لأنها غير واجبة فهذه مثلها قال البيهقي : لا يبقى بين الحديثين بعد هذا الجمع معارضة أصلا قال الحافظ : وهو كما قال إلا أنه يلزم منه أن يبقى الرق في حصة الشريك إذا لم يختر العبد الاستسعاء فيعارضه حديثأبي المليح الذي ذكره المصنف قال : ويمكن حمله على ما إذا كان المعتق غنيا أو على ما إذا كان جميعه له فأعتق بعضه واستدل على ذلك بحديث ابن التلب الذي تقدم ثم قال : وهو محمول على المعسر وإلا لتعارضا وجمع بعضهم بطريق أخرى فقال أبو عبد الملك : المراد بالاستسعاء أن العبد يستمر في حصة الذي لم يعتق رقيقا فيسعى في خدمته بقدر ما له فيه من الرق

                                                                                                                                            قال : ومعنى قوله : " غير مشقوق عليه " أي من جهة سيده المذكور فلا يكلفه من الخدمة فوق حصة الرق ، ويؤيد هذا حديث إسماعيل بن أمية الذي ذكره المصنف ، ولكنه يرد عليه ما وقع في رواية للنسائي وأبي داود بلفظ : " واستسعى في قيمته لصاحبه " واحتج [ ص: 106 ] من أبطل السعاية بحديث { الرجل الذي أعتق ستة مماليك عند موته فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة } .

                                                                                                                                            وقد تقدم في باب التبرعات المريض من كتاب الوصايا

                                                                                                                                            ووجه الدلالة منه أن الاستسعاء لو كان مشروعا لنجز من كل واحد منهم عتق ثلثه واستسعى في بقية قيمته لورثة الميت وأجاب من أثبت السعاية بأنها واقعة عين فيحتمل أن تكون قبل مشروعية السعاية ، ويحتمل أن تكون السعاية مشروعة في غير هذه الصورة وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات { أن رجلا من بني عذرة أعتق مملوكا له عند موته وليس له مال غيره ، فأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثه وأمره أن يسعى في الثلثين } واحتجوا أيضا بما أخرجه النسائي عن ابن عمر من حديث ، وفيه : { وليس على العبد شيء } وأجيب بأن ذلك مختص بصورة اليسار لقوله في هذا الحديث : " وله وفاء " والسعاية إنما هي في صورة الإعسار

                                                                                                                                            وقد ذهب إلى الأخذ بالسعاية إذا كان المعتق معسرا أبو حنيفة وصاحباه والأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد في رواية .

                                                                                                                                            وإليه ذهبت الهادوية وآخرون ، ثم اختلفوا فقال الأكثر : يعتق جميعه في الحال ويستسعى العبد في تحصيل قيمة نصيب الشريك ، وزاد ابن أبي ليلى فقال : ثم يرجع العبد على المعتق الأول بما دفعه إلى الشريك وقال أبو حنيفة وحده : يتخير بين السعاية وبين عتق نصيبه ، وهذا يدل على أنه لا يعتق عنده ابتداء إلا النصيب الأول فقط

                                                                                                                                            وعن عطاء : يتخير الشريك بين ذلك وبين إبقاء حصته في الرق وخالف الجميع زفر فقال : يعتق كله ، وتقوم حصة الشريك فتؤخذ إن كان المعتق موسرا وتبقى في ذمته إن كان معسرا وقد حكي في البحر عن الفريقين من الحنفية والشافعية مثل قول زفر فينظر في صحة ذلك وحكي أيضا عن الشافعي أنه يبقى نصيب شريك المعسر رقيقا

                                                                                                                                            وعن الناصر أنه يسعى العبد مطلقا وعن أبي حنيفة يسعى عن المعسر ولا يرجع عليه ، والموسر يخير شريكه بين تضمينه أو السعاية أو إعتاق نصيبه كما مر

                                                                                                                                            وعن عثمان البتي أنه لا شيء على المعتق إلا أن تكون جارية تراد للوطء فيضمن ما أدخل على شريكه فيها من الضرر وعن ابن شبرمة أن القيمة في بيت المال وعن محمد بن إسحاق أن هذا الحكم للعبيد دون الإماء قوله : ( قيمة عدل ) بفتح العين : أي لا زيادة فيه ولا نقص

                                                                                                                                            قوله : ( لا وكس ) بفتح الواو وسكون الكاف بعدها سين مهملة : أي لا نقص والشطط بشين معجمة ثم طاء مهملة مكررة : وهو الجور بالزيادة على القيمة ، من قولهم : شطني فلان إذا شق عليك وظلمك حقك قوله : ( أو شركا له في مملوك ) الشرك بكسر الشين المعجمة وسكون الراء : الحصة والنصيب قال ابن دقيق العيد : هو في الأصل مصدر قوله : ( شقصا ) بكسر الشين المعجمة وسكون القاف ، وفي الرواية الثانية شقيصا بفتح الشين وكسر القاف ، والشقص [ ص: 107 ] والشقيص مثل النصف والنصيف : وهو القليل من شيء ، وقيل : هو النصيب قليلا كان أو كثيرا




                                                                                                                                            الخدمات العلمية