الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 2428 ) فصل : وإذا قدر المحصر على الهدي ، فليس له الحل قبل ذبحه . فإن كان معه هدي قد ساقه أجزأه ، وإن لم يكن معه لزمه شراؤه إن أمكنه ، ويجزئه أدنى الهدي ، وهو شاة ، أو سبع بدنة ; لقوله تعالى : { فما استيسر من الهدي } . وله نحره في موضع حصره ، من حل أو حرم . نص عليه أحمد وهو قول مالك ، والشافعي ، إلا أن يكون قادرا على أطراف الحرم ، ففيه وجهان : أحدهما ، يلزمه نحره فيه ; لأن الحرم كله منحر ، وقد قدر عليه . والثاني ، ينحره في موضعه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه في موضعه .

                                                                                                                                            وعن أحمد : ليس للمحصر نحر هديه إلا في الحرم ، فيبعثه ، ويواطئ رجلا على نحره في وقت يتحلل فيه . وهذا يروى عن ابن مسعود ، في من لدغ في الطريق . وروي نحو ذلك عن الحسن ، والشعبي ، والنخعي ، وعطاء .

                                                                                                                                            وهذا ، والله أعلم ، في من كان حصره خاصا ، وأما الحصر العام فلا ينبغي أن يقوله أحد ; لأن ذلك يفضي إلى تعذر الحل ، لتعذر وصول الهدي إلى محله ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا هداياهم في الحديبية ، وهي من الحل . قال البخاري : قال مالك وغيره : إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حلقوا ، وحلوا من كل شيء ، قبل الطواف ، وقبل أن يصل الهدي إلى البيت . ولم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحدا أن يقضي شيئا ، ولا أن يعودوا له .

                                                                                                                                            وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه عند الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان . وهي من الحل باتفاق أهل السيرة والنقل . قال الله تعالى : { والهدي معكوفا أن يبلغ محله } . ولأنه موضع حله ، فكان موضع نحره ، كالحرم ، وسائر الهدايا يجوز للمحصر نحرها في موضع تحلله . فإن قيل : فقد قال الله تعالى : { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } .

                                                                                                                                            وقال : { ثم محلها إلى البيت العتيق } . ولأنه ذبح يتعلق بالإحرام ، فلم يجز في غير الحرم ، كدم الطيب واللباس . قلنا : الآية في حق غير المحصر ، ولا يمكن قياس المحصر عليه ; لأن تحلل المحصر في الحل ، وتحلل غيره في الحرم ، فكل منهما ينحر في موضع تحلله . وقيل في قوله : { حتى يبلغ الهدي محله } . أي حتى يذبح ، وذبحه في حق المحصر في موضع حله ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية