الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 351 ] ( 7 ) باب ما جاء فيمن يضطر إلى أكل الميتة 1038 - مالك ; إن أحسن ما [ ص: 352 ] سمع في الرجل ، يضطر إلى الميتة : أنه يأكل منها حتى يشبع ، ويتزود منها ، فإن وجد عنها غنى طرحها .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        22298 - قال أبو عمر : روى فضيل بن عياض ، وأبو معاوية ، وسفيان ، وشعبة ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق قال : من اضطر إلى الميتة ، والدم ولحم الخنزير ، فلم يأكل حتى مات دخل النار ، وهذا لفظ حديث فضيل بن عياض .

                                                                                                                        22299 - واختلف العلماء في مقدار ما يأكل المضطر من الميتة .

                                                                                                                        22300 - فقال مالك في موطئه ما ذكرنا ، وعليه جماعة أصحابه .

                                                                                                                        22301 - وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما : لا يأكل المضطر من [ ص: 353 ] الميتة إلا مقدار ما يسد الرمق ، والنفس .

                                                                                                                        22302 - وقال عبد الله بن الحسن : المضطر يأكل من الميتة ما يسد جوعته .

                                                                                                                        22303 - وحجة هؤلاء أن المضطر إنما أبيح له أكل الميتة إذا خاف على نفسه الموت ، فإذا أكل منها ما يزيل الخوف ، فقد زالت الضرورة ، وارتفعت الإباحة ، فلا يحل أكلها .

                                                                                                                        22304 - وحجة مالك أن المضطر ليس ممن حرمت عليه الميتة ; لقول الله تعالى 4 فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه 4 [ البقرة : 173 ] ، وقال : 4 إلا ما اضطررتم إليه [ الأنعام : 119 ] 22305 - فإذا كانت الميتة حلالا للمضطر إليها أكل منها ما شاء حتى يجد غيرها ، فتحرم عليه .

                                                                                                                        22306 - وهو قول الحسن .

                                                                                                                        قال الحسن : إذا اضطر إلى الميتة أكل منها قوته .

                                                                                                                        22307 - وقد قيل : من تغدى لم يتعش منها ، ومن تعشى لم يتغد منها .

                                                                                                                        [ ص: 354 ] 22308 - وفي الحديث المرفوع : متى تحل لنا الميتة يا رسول الله ؟ قال : ما لم تصطبحوا ، أو تغتبقوا ، والصبوح : الغداء ، والغبوق : العشاء ، ونحو هذا .

                                                                                                                        22309 - واختلفوا في قوله تعالى غير باغ ولا عاد [ البقرة : 173 ] .

                                                                                                                        22310 - فقالت طائفة منهم : مجاهد : غير باغ على الأئمة ، ولا عاد ; قاطع سبيل .

                                                                                                                        22311 - وروي عن مجاهد في قوله تعالى : فمن اضطر غير باغ ولا عاد [ البقرة : 173 ] . قال : غير قاطع سبيل ، ولا مفارق الأئمة ، ولا خارج في [ ص: 355 ] معصية ، فإن خرج في معصية لم يرخص له في أكل الميتة .

                                                                                                                        22312 - وقال سعيد بن جبير في قوله : غير باغ ولا عاد : قال هو الذي يقطع الطريق ، فليس له رخصة إذا اضطر إلى شرب الخمر وإلى الميتة .

                                                                                                                        22313 - وقال الشافعي : من خرج عاصيا لله لم يحل له شيء مما حرم الله عليه بحال ; لأن الله - عز وجل - إنما أحل ما حرم للضرورة على شرط أن يكون المضطر غير باغ ، ولا عاد ولا متجانف لإثم .

                                                                                                                        22314 - وهذا معنى قول مالك .

                                                                                                                        22315 - واتفق مالك ، والشافعي أن المضطر لا تحل له الخمر ولا يشربها ولا تزيده إلا عطشا .

                                                                                                                        22316 - وهو قول مكحول ، والحارث العكلي ، وابن شهاب الزهري .

                                                                                                                        22317 - ذكر وكيع عن سفيان ، عن برد ، عن مكحول ، قال : لا يشرب المضطر الخمر ، فإنها لا تزيده إلا عطشا .

                                                                                                                        [ ص: 356 ] 22318 - وروى جرير ، عن مغيرة ، عن الحارث العكلي ، قال : إذا اضطر إلى الخمر ، فلا يشربها ، فإنها لا تزيده إلا عطشا .

                                                                                                                        22319 - وروى ابن وهب ، عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يضطر إلى شرب الخمر هل فيه رخصة ؟ قال : لم يبلغني أن في ذلك رخصة لأحد ، وقد أرخص الله تعالى للمؤمن فيما اضطر إليه مما حرم عليه .

                                                                                                                        22320 - وقال آخرون منهم عكرمة : غير باغ ولا عاد قال : يتعدى ، فيزيده على ما يمسك نفسه ، والباغي : كل ظالم في سبيل الغير مباحة .

                                                                                                                        22321 - وهو قول الحسن ، قال في قوله : غير باغ ولا عاد ، قال : غير باغ فيها ، يأكلها ، وهو غني عنها .

                                                                                                                        22322 - قال أبو عمر : من حجة من لم ير شرب الخمر للمضطر أن الله - عز وجل - ذكر الرخصة للمضطر مع تحريم الدم والميتة ولحم الخنزير .

                                                                                                                        22323 - وذكر تحريم الخمر ، ولم يذكر مع ذلك رخصة للمضطر فالواجب أن لا يتعدى الظاهر إلى غيره ، وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية