الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الجهر بالقراءة في الكسوف

                                                                                                                                                                                                        1016 حدثنا محمد بن مهران قال حدثنا الوليد بن مسلم قال أخبرنا ابن نمر سمع ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته فإذا فرغ من قراءته كبر فركع وإذا رفع من الركعة قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات وقال الأوزاعي وغيره سمعت الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مناديا ب الصلاة جامعة فتقدم فصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات وأخبرني عبد الرحمن بن نمر سمع ابن شهاب مثله قال الزهري فقلت ما صنع أخوك ذلك عبد الله بن الزبير ما صلى إلا ركعتين مثل الصبح إذ صلى بالمدينة قال أجل إنه أخطأ السنة تابعه سفيان بن حسين وسليمان بن كثير عن الزهري في الجهر [ ص: 639 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 639 ] قوله : ( باب الجهر بالقراءة في الكسوف ) أي سواء كان للشمس أو القمر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أخبرنا ابن نمر ) بفتح النون وكسر الميم ، اسمه عبد الرحمن ، وهو دمشقي وثقه دحيم والذهلي وابن البرقي وآخرون ، وضعفه ابن معين لأنه لم يرو عنه غير الوليد وليس له في الصحيحين غير هذا الحديث ، وقد تابعه عليه الأوزاعي وغيره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخسوف بقراءته ) استدل به على الجهر فيها بالنهار ، وحمله جماعة ممن لم ير بذلك على كسوف القمر ، وليس بجيد لأن الإسماعيلي روى هذا الحديث من وجه آخر عن الوليد بلفظ " كسفت الشمس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فذكر الحديث ، وكذا رواية الأوزاعي التي بعده صريحة في الشمس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الأوزاعي وغيره سمعت الزهري إلخ ) وصله مسلم عن محمد بن مهران عن الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي وغيره فذكره ، وأعاد الإسناد إلى الوليد قال : أخبرنا عبد الرحمن بن نمر فذكره ، وزاد فيه مسلم طريق كثير بن عباس عن أخيه ولم يذكر قصة عبد الله بن الزبير ، واستدل بعضهم على ضعف رواية عبد الرحمن بن نمر في الجهر بأن الأوزاعي لم يذكر في روايته الجهر ، وهذا ضعيف لأن من ذكر حجة على من لم يذكر ، لا سيما والذي لم يذكره لم يتعرض لنفيه ، وقد ثبت الجهر في رواية الأوزاعي عند أبي داود والحاكم من طريق الوليد بن مزيد عنه ، ووافقه سليمان بن كثير وغيره كما ترى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال أجل ) أي نعم وزنا ومعنى ، وفي رواية الكشميهني " من أجل " بسكون الجيم ، وعلى الأول فقوله : إنه أخطأ " بكسر همزة إنه وعلى الثاني بفتحها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تابعه سليمان بن كثير وسفيان بن حسين عن الزهري في الجهر ) يعني بإسناده المذكور ، ورواية سليمان وصلها أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عنه بلفظ خسفت الشمس على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فكبر ثم كبر الناس ثم قرأ فجهر بالقراءة الحديث ، ورويناه في مسند أبي داود الطيالسي عن سليمان بن كثير بهذا الإسناد مختصرا " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جهر بالقراءة في صلاة الكسوف " وأما رواية سفيان بن حسين فوصلها الترمذي والطحاوي بلفظ صلى صلاة الكسوف وجهر بالقراءة فيها وقد تابعهم على ذكر الجهر عن الزهري عقيل عند الطحاوي وإسحاق بن راشد عند الدارقطني ، وهذه طرق يعضد بعضها بعضا يفيد مجموعها الجزم بذلك فلا معنى لتعليل من أعله بتضعيف سفيان بن حسين وغيره ، فلو لم يرد في ذلك إلا رواية الأوزاعي لكانت كافية ، وقد ورد الجهر فيها عن علي مرفوعا وموقوفا أخرجه ابن خزيمة وغيره . وقال به صاحبا أبي حنيفة وأحمد وإسحاق [ ص: 640 ] وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهما من محدثي الشافعية وابن العربي من المالكية ، وقال الطبري : يخير بين الجهر والإسرار ، وقال الأئمة الثلاثة : يسر في الشمس ويجهر في القمر ، واحتج الشافعي بقول ابن عباس " قرأ نحوا من سورة البقرة " لأنه لو جهر لم يحتج إلى تقدير ، وتعقب باحتمال أن يكون بعيدا منه ، لكن ذكر الشافعي تعليقا عن ابن عباس أنه صلى بجنب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكسوف فلم يسمع منه حرفا ، ووصله البيهقي من ثلاثة طرق أسانيدها واهية ، وعلى تقدير صحتها فمثبت الجهر معه قدر زائدة فالأخذ به أولى ، وإن ثبت العدد فيكون فعل ذلك لبيان الجواز ، وهكذا الجواب عن حديث سمرة عند ابن خزيمة والترمذي " لم يسمع له صوتا " وأنه إن ثبت لا يدل على نفي الجهر ، قال ابن العربي : الجهر عندي أولى لأنها صلاة جامعة ينادى لها ويخطب فأشبهت العيد والاستسقاء ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        ( خاتمة ) : اشتملت أبواب الكسوف على أربعين حديثا نصفها موصول ونصفها معلق ، المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وثلاثون ، والخالص ثمانية . وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي بكرة ، وحديث أسماء في العتاقة ، ورواية عمرة عن عائشة الأولى أطول لكنه أخرج أصله . وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين خمسة آثار فيها أثر عبد الله بن الزبير ، وفيها أثر عروة في تخطئته ، وهما موصولان .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية