الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 210 ] هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب . فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون . رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق . يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار . اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب .

                                                                                                                                                                                                                                      هو الذي يريكم آياته أي: مصنوعاته التي تدل على وحدانيته وقدرته . والرزق هاهنا: المطر، سمي رزقا، لأنه سبب الأرزاق . و "يتذكر" بمعنى يتعظ، و "ينيب" بمعنى يرجع إلى الطاعة .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أمر المؤمنين بتوحيده فقال: فادعوا الله مخلصين له الدين أي: موحدين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: رفيع الدرجات قال ابن عباس: يعني رافع السموات . وحكى الماوردي عن بعض المفسرين قال: معناه: عظيم الصفات .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ذو العرش أي: خالقه ومالكه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يلقي الروح فيه خمسة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه القرآن . والثاني: النبوة . والقولان مرويان عن ابن عباس . وبالأول قال ابن زيد، وبالثاني قال السدي . والثالث: الوحي، قاله قتادة . وإنما سمي القرآن والوحي روحا، لأن قوام الدين به، كما أن قوام البدن بالروح . والرابع: جبريل، قاله الضحاك . والخامس: الرحمة، حكاه إبراهيم الحربي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 211 ] قوله تعالى: من أمره فيه ثلاثة أقوال . أحدها: من قضائه، قاله ابن عباس . والثاني: بأمره، قاله مقاتل . والثالث: من قوله، ذكره الثعلبي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: على من يشاء من عباده يعني الأنبياء .

                                                                                                                                                                                                                                      لينذر في المشار إليه قولان . أحدهما: أنه الله عز وجل . والثاني: النبي الذي يوحى إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد بـ يوم التلاق : يوم القيامة . وأثبت ياء ( التلاقي ) في الحالين ابن كثير ويعقوب، وأبو جعفر وافقهما في الوصل; والباقون بغير ياء في الحالين . وفي سبب تسميته بذلك خمسة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه يلتقي فيه أهل السماء والأرض، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: يلتقي فيه الأولون والآخرون، روي عن ابن عباس أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: [يلتقي] فيه الخلق والخالق، قاله قتادة ومقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: يلتقي المظلوم والظالم، قاله ميمون بن مهران .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: يلتقي المرء بعمله، حكاه الثعلبي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يوم هم بارزون أي: ظاهرون من قبورهم لا يخفى على الله منهم شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل: فهل يخفى عليه منهم اليوم شيء؟

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب: أن لا، غير أن معنى الكلام التهديد بالجزاء; وللمفسرين فيه ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: لا يخفى عليه مما عملوا شيء، قاله ابن عباس . والثاني: [ ص: 212 ] لا يستترون منه بجبل ولا مدر، قاله قتادة . والثالث: أن المعنى: أبرزهم جميعا، لأنه لا يخفى عليه منهم شيء، حكاه الماوردي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: لمن الملك اليوم اتفقوا على أن هذا يقوله الله عز وجل بعد فناء الخلائق . واختلفوا في وقت قوله له على قولين .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: [أنه] يقوله عند فناء الخلائق إذا لم يبق مجيب، فيرد هو على نفسه فيقول: لله الواحد القهار ، قاله الأكثرون .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه يقوله يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وفيمن يجيبه حينئذ قولان . أحدهما: أنه يجيب نفسه وقد سكت الخلائق لقوله، قاله عطاء . والثاني: أن الخلائق كلهم يجيبونه فيقولون: "لله الواحد القهار"، قاله ابن جريج .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية