الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حوب ]

                                                          حوب : الحوب والحوبة : الأبوان الأخت والبنت . وقيل : لي فيهم حوبة وحوبة وحيبة أي : قرابة من قبل الأم ، وكذلك كل ذي رحم محرم . وإن لي حوبة أعولها أي : ضعفة وعيالا . ابن السكيت : لي في بني فلان حوبة ، وبعضهم يقول حيبة ، فتذهب الواو إذا انكسر ما قبلها ، وهي كل حرمة تضيع من أم أو أخت أو بنت ، أو غير ذلك من كل ذات رحم . وقال أبو زيد : لي فيهم حوبة إذا كانت قرابة من قبل الأم ، وكذلك كل ذي رحم محرم . وفي الحديث : ( اتقوا الله في الحوبات ) يريد النساء المحتاجات ، اللاتي لا يستغنين عمن يقوم عليهن ، ويتعهدهن ؛ ولا بد في الكلام من حذف مضاف تقديره ذات حوبة ، وذات حوبات . والحوبة : الحاجة . وفي حديث الدعاء : إليك أرفع حوبتي أي : حاجتي . وفي رواية : نرفع حوبتنا إليك أي : حاجتنا . والحوبة رقة فؤاد الأم ؛ قال الفرزدق :


                                                          فهب لي خنيسا ، واحتسب فيه منة لحوبة أم ، ما يسوغ شرابها



                                                          قال الشيخ ابن بري : والسبب في قول الفرزدق هذا البيت ، أن امرأة عاذت بقبر أبيه غالب ، فقال لها : ما الذي دعاك إلى هذا ؟ فقالت : إن لي ابنا بالسند ، في اعتقال تميم بن زيد القيني وكان عامل خالد القسري على السند ؛ فكتب من ساعته إليه :


                                                          كتبت وعجلت البرادة إنني     إذا حاجة حاولت ، عجت ركابها
                                                          ولي ، ببلاد السند عند أميرها     حوائج جمات ، وعندي ثوابها
                                                          أتتني ، فعاذت ذات شكوى بغالب     وبالحرة ، السافي عليه ترابها
                                                          فقلت لها : إيه ؛ اطلبي كل حاجة     لدي ، فخفت حاجة وطلابها
                                                          فقالت بحزن : حاجتي أن واحدي     خنيسا ، بأرض السند ، خوى سحابها
                                                          فهب لي خنيسا ، واحتسب فيه منة     لحوبة أم ، ما يسوغ شرابها
                                                          تميم بن زيد ، لا تكونن حاجتي     بظهر ، ولا يعيا عليك ، جوابها
                                                          ولا تقلبن ، ظهرا لبطن ، صحيفتي     فشاهدها ، فيها ، عليك كتابها

                                                          فلما ورد الكتاب على تميم ، قال لكاتبه : أتعرف الرجل ؟ فقال : كيف أعرف من لم ينسب إلى أب ولا قبيلة ، ولا تحققت اسمه أهو خنيس أو حبيش ؟ فقال : أحضر كل من اسمه خنيس أو حبيش ؛ فأحضرهم ، فوجد عدتهم أربعين رجلا فأعطى كل واحد منهم ما يتسفر به ، وقال : اقفلوا إلى حضرة أبي فراس . والحوبة والحيبة : الهم والحاجة ؛ قال أبو كبير الهذلي :


                                                          ثم انصرفت ، ولا أبثك حيبتي     رعش البنان ، أطيش ، مشي الأصور

                                                          وفي الدعاء على الإنسان : ألحق الله به الحوبة ؛ أي : الحاجة والمسكنة والفقر . والحوب : الجهد والحاجة ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          وصفاحة مثل الفنيق ، منحتها     عيال ابن حوب ، جنبته أقاربه

                                                          وقال مرة : ابن حوب رجل مجهود محتاج ، لا يعني في كل ذلك [ ص: 258 ] رجلا بعينه ، إنما يريد هذا النوع . ابن الأعرابي : الحوب : الغم والهم والبلاء . ويقال : هؤلاء عيال ابن حوب . قال : والحوب : الجهد والشدة . الأزهري : والحوب : الهلاك ؛ وقال الهذلي :


                                                          وكل حصن ، وإن طالت سلامته     يوما ستدركه النكراء والحوب

                                                          أي يهلك . والحوب والحوب : الحزن ؛ وقيل : الوحشة ؛ قال الشاعر :


                                                          إن طريق مثقب لحوب

                                                          أي وعث صعب . وقيل في قول أبي دواد الإيادي :


                                                          يوما ستدركه النكراء والحوب

                                                          أي الوحشة ؛ وبه فسر الهروي قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي أيوب الأنصاري وقد ذهب إلى طلاق أم أيوب : " إن طلاق أم أيوب لحوب " . التفسير عن شمر قال ابن الأثير : أي : لوحشة أو إثم . وإنما أثمه بطلاقها لأنها كانت مصلحة له في دينه . والحوب : الوجع . والتحوب : التوجع ، والشكوى ، والتحزن . ويقال : فلان يتحوب من كذا أي : يتغيظ منه ، ويتوجع . وحوبة الأم على ولدها وتحوبها : رقتها وتوجعها . وفيه : ما زال صفوان يتحوب رحالنا منذ الليلة ؛ التحوب : صوت مع توجع ، أراد به شدة صياحه بالدعاء ؛ ورحالنا منصوب على الظرف . والحوبة والحيبة : الهم والحزن . وفي حديث عروة لما مات أبو لهب : أريه بعض أهله بشر حيبة أي : بشر حال . والحيبة والحوبة : الهم والحزن . والحيبة أيضا : الحاجة والمسكنة ؛ قال طفيل الغنوي :


                                                          فذوقوا كما ذقنا ، غداة محجر     من الغيظ في أكبادنا والتحوب



                                                          وقال أبو عبيد : التحوب في غير هذا التأثم من الشيء ، وهو من الأول ، وبعضه قريب من بعض . ويقال لابن آوى : هو يتحوب ، لأن صوته كذلك ، كأنه يتضور . وتحوب في دعائه : تضرع . والتحوب أيضا : البكاء في جزع وصياح ، وربما عم به الصياح ؛ قال العجاج :


                                                          وصرحت عنه ، إذا تحوبا     رواجب الجوف السحيل الصلبا



                                                          ويقال : تحوب : إذا تعبد ، كأنه يلقي الحوب عن نفسه ، كما يقال : تأثم وتحنث إذا ألقى الحنث عن نفسه بالعبادة ؛ وقال الكميت يذكر ذئبا سقاه وأطعمه :


                                                          وصب له شول ، من الماء ، غائر     به كف عنه ، الحيبة ، المتحوب



                                                          والحيبة : ما يتألم منه . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اقبل توبتي ، وارحم حوبتي ) فحوبتي ، يجوز أن تكون هنا توجعي ، وأن تكون تخشعي وتمسكني لك . وفي التهذيب : رب تقبل توبتي واغسل حوبتي . قال أبو عبيد : حوبتي يعني المأثم ، وتفتح الحاء وتضم ، وهو من قوله ، عز وجل : إنه كان حوبا كبيرا . قال : وكل مأثم حوب وحوب ، والواحدة حوبة ؛ ومنه الحديث الآخر : أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني أتيتك لأجاهد معك ؛ فقال : ألك حوبة ؟ قال : نعم . قال : ففيها فجاهد . قال أبو عبيد : يعني ما يأثم به إن ضيعه من حرمة . قال : وبعض أهل العلم يتأوله على الأم خاصة . قال : وهي عندي كل حرمة تضيع إن تركها ، من أم أو أخت أو ابنة أو غيرها . وقولهم : إنما فلان حوبة أي : ليس عنده خير ولا شر . ويقال : سمعت من هذا حوبين ، ورأيت منه حوبين أي : فنين وضربين ؛ وقال ذو الرمة :


                                                          تسمع ، من تيهائه الأفلال     حوبين من هماهم الأغوال



                                                          : فنين وضربين ، وقد روي بيت ذي الرمة بفتح الحاء . والحوبة والحوبة : الرجل الضعيف ، والجمع حوب ، وكذلك المرأة إذا كانت ضعيفة زمنة . وبات فلان بحيبة سوء وحوبة سوء أي : بحال سوء ؛ وقيل : إذا بات بشدة وحال سيئة لا يقال إلا في الشر ؛ وقد استعمل منه فعل قال :

                                                          وإن قلوا وحابوا

                                                          ونزلنا بحيبة من الأرض وحوبة أي : بأرض سوء . أبو زيد : الحوب : النفس ، والحوباء : النفس ، ممدودة ساكنة الواو ، والجمع حوباوات ؛ قال رؤبة :


                                                          وقاتل حوباءه من أجلي     ليس له مثلي ، وأين مثلي ؟



                                                          وقيل : الحوباء روع القلب ؛ قال :


                                                          ونفس تجود بحوبائها



                                                          وفي حديث ابن العاص : فعرف أنه يريد حوباء نفسه . والحوب والحوب والحاب : الإثم ، فالحوب ، بالفتح ، لأهل الحجاز ، والحوب ، بالضم ، لتميم ، والحوبة : المرة الواحدة منه ؛ قال المخبل :


                                                          فلا يدخلن ، الدهر ، قبرك ، حوبة     يقوم ، بها ، يوما ، عليك حسيب



                                                          وقد حاب حوبا وحيبة . قال الزجاج : الحوب الإثم ، والحوب فعل الرجل ؛ تقول : حاب حوبا ، كقولك : قد خان خونا . وفي حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ( الربا سبعون حوبا ، أيسرها مثل وقوع الرجل على أمه ، وأربى الربا عرض المسلم ) . قال شمر : قوله سبعون حوبا ، كأنه سبعون ضربا من الإثم . الفراء في قوله تعالى : إنه كان حوبا : الحوب الإثم العظيم . وقرأ الحسن : إنه كان حوبا ؛ وروى سعد ، عن قتادة أنه قال : إنه كان حوبا أي : ظلما . وفلان يتحوب من كذا أي : يتأثم . وتحوب الرجل : تأثم . قال ابن جني : تحوب ترك الحوب ، من باب السلب ، ونظيره تأثم أي : ترك الإثم ، وإن كان تفعل للإثبات أكثر منه للسلب ، وكذلك نحو تقدم وتأخر ، وتعجل وتأجل . وفي الحديث : كان إذا دخل إلى أهله قال : " توبا توبا ، لا يغادر علينا حوبا . " ومنه الحديث : إن الجفاء والحوب في أهل الوبر والصوف . وتحوب من الإثم إذا توقاه ، وألقى الحوب عن نفسه . ويقال : حبت بكذا أي : أثمت ، تحوب حوبا وحوبة وحيابة ؛ قال النابغة :


                                                          صبرا ، بغيض بن ريث ؛ إنها رحم [ ص: 259 ]     حبتم بها ، فأناختكم بجعجاع



                                                          وفلان أعق وأحوب . قال الأزهري : وبنو أسد يقولون : الحائب للقاتل ، وقد حاب يحوب والمحوب والمتحوب الذي يذهب ماله ثم يعود . الليث : الحوب الضخم من الجمال ؛ وأنشد :


                                                          ولا شربت في جلد حوب معلب



                                                          قال : وسمي الجمل حوبا بزجره ، كما سمي البغل عدسا بزجره ، وسمي الغراب غاقا بصوته . غيره : الحوب الجمل ، ثم كثر حتى صار زجرا له . قال الليث : الحوب زجر البعير ليمضي ، وللناقة : حل ، جزم ، وحل وحلي . يقال لبعير إذا زجر : حوب وحوب وحوب وحاب . وحوب بالإبل : قال لها حوب ، والعرب تجر ذلك ، ولو رفع أو نصب ، لكان جائزا ، لأن الزجز والحكايات تحرك أواخرها ، على غير إعراب لازم ، وكذلك الأدوات التي لا تتمكن في التصريف ، فإذا حول من ذلك شيء إلى الأسماء ، حمل عليه الألف واللام ، فأجري مجرى الأسماء ، كقوله :


                                                          والحوب لما يقل والحل



                                                          وحوبت بالإبل : من الحوب . وحكى بعضهم : حب لا مشيت ، وحب لا مشيت ، وحاب لا مشيت ، وحاب لا مشيت . وفي الحديث : أنه كان إذا قدم من سفر قال : ( آيبون تائبون ، لربنا حامدون ، حوبا حوبا ) . قال : كأنه لما فرغ من كلامه ، زجر بعيره . والحوب : زجر لذكور الإبل . ابن الأثير : حوب زجر لذكورة الإبل ، مثل حل لإناثها ، وتضم الباء وتفتح وتكسر ، وإذا نكر دخله التنوين ، فقوله : حوبا حوبا ، بمنزلة قولك : سيرا سيرا ؛ فأما قوله :


                                                          هي ابنة حوب ، أم تسعين ، آزرت     أخا ثقة ، تمري ، جباها ، ذوائبه



                                                          فإنه عنى كنانة عملت من جلد بعير ، وفيها تسعون سهما ، فجعلها أما للسهام ، لأنها قد جمعتها ، وقوله : أخا ثقة ، يعني سيفا ، وجباها : حرفها ، وذوائبه : حمائله أي : إنه تقلد السيف ، ثم تقلد بعده الكنانة تمري حرفها ، يريد حرف الكنانة . وقال بعضهم في كلام له : حوب حوب ، إنه يوم دعق وشوب ، لا لعا لبني الصوب . الدعق : الوطء الشديد ، وذكر الجوهري الحوأب هنا . قال ابن بري : وحقه أن يذكر في حأب ، وقد ذكرناه هناك .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية