الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حوذ ]

                                                          حوذ : حاذ يحوذ حوذا كحاط حوطا ، والحوذ : الطلق ، والحوذ والإحواذ : السير الشديد . وحاذ إبله يحوذها حوذا : ساقها سوقا شديدا كحازها حوزا ؛ وروي هذا البيت :

                                                          يحوذهن وله حوذي

                                                          فسره ثعلب بأن معنى قوله : حوذي امتناع في نفسه ؛ قال ابن سيده : ولا أعرف هذا إلا هاهنا ، والمعروف :


                                                          يحوزهن وله حوزي



                                                          وفي حديث الصلاة : فمن فرغ لها قلبه وحاذ عليها ، فهو مؤمن أي : حافظ عليها ، من حاذ الإبل يحوذها إذا حازها وجمعها ليسوقها . وطرد أحوذ : سريع ؛ قال بخدج :


                                                          لاقى النخيلات حناذا محنذا


                                                          مني ، وشلا للأعادي مشقذا


                                                          وطردا طرد النعام أحوذا



                                                          وأحوذ السير : سار سيرا شديدا . والأحوذي : السريع في كل ما أخذ فيه ، وأصله في السفر . والحوذ : السوق السريع ، يقال : حذت الإبل أحوذها حوذا وأحوذتها مثله . والأحوذي : الخفيف في الشيء بحذقه ؛ عن أبي عمرو ، وقال يصف جناحي قطاة :


                                                          على أحوذيين استقلت عليهما     فما هي إلا لمحة فتغيب



                                                          وقال آخر :


                                                          أتتك عيس تحمل المشيا     ماء من الطثرة أحوذيا



                                                          يعني سريع الإسهال . والأحوذي : الذي يسير مسيرة عشر في ثلاث ليال ؛ وأنشد :


                                                          لقد أكون على الحاجات ذا لبث     وأحوذيا إذا انضم الذعاليب



                                                          قال : انضمامها انطواء بدنها ، وهي إذا انضمت فهي أسرع لها . قال : والذعاليب أيضا ذيول الثياب . ويقال : أحوذ ذاك إذا جمعه وضمه ؛ ومنه يقال : استحوذ على كذا إذا حواه . وأحوذ ثوبه : ضمه إليه ؛ قال لبيد يصف حمارا وأتنا :


                                                          إذا اجتمعت وأحوذ جانبيها     وأوردها على عوج طوال



                                                          قال : يعني ضمها ولم يفته منها شيء ، وعنى بالعوج القوائم . وأمر محوذ : مضموم محكم كمحوز ، وجاد ما أحوذ قصيدته أي : أحكمها . ويقال : أحوذ الصانع القدح إذا أخفه ؛ ومن هذا أخذ الأحوذي المنكمش الحاد الخفيف في أموره ؛ قال لبيد :


                                                          فهو كقدح المنيح أحوذه الصا     نع ، ينفي عن متنه القوبا



                                                          والأحوذي : المشمر في الأمور القاهر لها الذي لا يشذ عليه منها شيء . والحويذ من الرجال : المشمر ؛ قال عمران بن حطان :


                                                          ثقف حويذ مبين الكف ناصعه     لا طائش الكف وقاف ولا كفل



                                                          يريد بالكفل الكفل . والأحوذي : الذي يغلب . واستحوذ : غلب . وفي حديث عائشة تصف عمر ، رضي الله عنهما : كان والله أحوذيا نسيج وحده . الأحوذي : الحاد المنكمش في أموره الحسن لسياق الأمور . وحاذه يحوذه حوذا : غلبه . واستحوذ عليه الشيطان واستحاذ أي : غلب ، جاء بالواو على أصله ، كما جاء استروح واستصوب ، وهذا الباب كله يجوز أن يتكلم به على الأصل . تقول العرب : استصاب واستصوب واستجاب واستجوب ، وهو قياس مطرد عندهم . وقوله تعالى : ألم نستحوذ عليكم أي : ألم نغلب على أموركم ونستول على مودتكم . وفي الحديث : ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا وقد استحوذ عليهم الشيطان ) أي : استولى عليهم وحواهم إليه ؛ قال : وهذه اللفظة أحد ما جاء على الأصل من غير إعلال خارجة عن أخواتها نحو استقال واستقام . قال [ ص: 263 ] ابن جني : امتنعوا من استعمال استحوذ معتلا وإن كان القياس داعيا إلى ذلك مؤذنا به ، لكن عارض فيه إجماعهم على إخراجه مصححا ليكون ذلك على أصول ما غير من نحوه كاستقام واستعان . وقد فسر ثعلب قوله تعالى : استحوذ عليهم الشيطان فقال : غلب على قلوبهم . وقال الله ، عز وجل ، حكاية عن المنافقين يخاطبون به الكفار : ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين وقال أبو إسحاق : معنى ألم نستحوذ عليكم : ألم نستول عليكم بالموالاة لكم . وحاذ الحمار أتنه إذا استولى عليها وجمعها وكذلك حازها ؛ وأنشد :


                                                          يحوذهن وله حوذي



                                                          قال وقال النحويون : استحوذ خرج على أصله ، فمن قال حاذ يحوذ لم يقل إلا استحاذ ، ومن قال أحوذ فأخرجه على الأصل قال استحوذ ؛ والحاذ : الحال ومنه قوله في الحديث : ( أغبط الناس المؤمن الخفيف الحاذ ) أي : خفيف الظهر . والحاذان : ما وقع عليه الذنب من أدبار الفخذين ، وقيل : خفيف الحال من المال ، وأصل الحاذ طريقة المتن من الإنسان ؛ وفي الحديث : ( ليأتين على الناس زمان يغبط الرجل فيه لخفة الحاذ كما يغبط اليوم أبو العشرة ، ضربه مثلا لقلة المال والعيال ) . شمر : يقال كيف حالك وحاذك . ابن سيده : والحاذ طريقة المتن واللام أعلى من الذال ، يقال : حال متنه وحاذ متنه ، وهو موضع اللبد من ظهر الفرس . قال : والحاذان ما استقبلك من فخذي الدابة إذا استدبرتها ؛ قال :


                                                          وتلف حاذيها بذي خصل     ريان ، مثل قوادم النسر



                                                          قال : والحاذان لحمتان في ظاهر الفخذين تكونان في الإنسان وغيره ؛ قال :


                                                          خفيف الحاذ نسال الفيافي     وعبد للصحابة غير عبد



                                                          الرياشي : قال : الحاذ الذي يقع عليه الذنب من الفخذين من ذا الجانب وذا الجانب ؛ وأنشد :


                                                          وتلف حاذيها بذي خصل     عقمت ، فنعم نبته العقم



                                                          أبو زيد : الحاذ ما وقع عليه الذنب من أدبار الفخذين ، وجمع الحاذ أحواذ . والحاذ والحال معا : ما وقع عليه اللبد من ظهر الفرس ؛ وضرب النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في قوله : ( مؤمن خفيف الحاذ قلة اللحم ) مثلا لقلة ماله وقلة عياله كما يقال خفيف الظهر . ورجل خفيف الحاذ أي : قليل المال ، ويكون أيضا القليل العيال . أبو زيد : العرب تقول : أنفع اللبن ما ولي حاذي الناقة أي : ساعة تحلب من غير أن يكون رضعها حوار قبل ذلك . والحاذ : نبت ، وقيل : شجر عظام ينبت نبتة الرمث لها غصنة كثيرة الشوك . وقال أبو حنيفة : الحاذ من شجر الحمض يعظم ومنابته السهل والرمل ، وهو ناجع في الإبل تخصب عليه رطبا ويابسا ؛ قال الراعي ووصف إبله :


                                                          إذا أخلفت صوب الربيع وصالها     عراد وحاذ ملبس كل أجرعا



                                                          قال ابن سيده : وألف الحاذ واو ، لأن العين واوا أكثر منها ياء . قال أبو عبيد : الحاذ شجر ، الواحدة حاذة من شجر الجنبة ؛ وأنشد :


                                                          ذوات أمطي وذات الحاذ



                                                          والأمطي : شجرة لها صمغ يمضغه صبيان الأعراب ، وقيل : الحاذة شجرة يألفها بقر الوحش ؛ قال ابن مقبل :


                                                          وهن جنوح لذي حاذة     ضوارب غزلانها بالجرن



                                                          وقال مزاحم :


                                                          دعاهن ذكر الحاذ من رمل خطمة     فمارد في جردائهن الأبارق



                                                          والحوذان : نبات يرتفع قدر الذراع له زهرة حمراء في أصلها صفرة وورقته مدورة والحافر يسمن عليه ، وهو من نبات السهل حلو طيب الطعم ؛ ولذلك قال الشاعر :


                                                          آكل من حوذانه وأنسل



                                                          والحوذان : نبات مثل الهندبا ينبت مسطحا في جلد الأرض وليانها لازقا بها ، وقلما ينبت في السهل ، ولها زهرة صفراء . وفي حديث قس عمير حوذان : الحوذان نبت له ورق وقصب ونور أصفر . وقال في ترجمة هوذ : والهاذة شجرة لها أغصان سبطة لا ورق لها ، وجمعها الهاذ ؛ قال الأزهري : روى هذا النضر والمحفوظ في باب الأشجار الحاذ . وحوذان وأبو حوذان : أسماء رجال ؛ ومنه قول عبد الرحمن بن عبد الله بن الجراح :


                                                          أتتك قواف من كريم هجوته     أبا الحوذ ، فانظر كيف عنك تذود



                                                          إنما أراد أبا حوذان فحذف وغير بدخول الألف واللام ؛ ومثل هذا التغيير كثير في أشعار العرب كقول الحطيئة :


                                                          جدلاء محكمة من صنع سلام



                                                          يريد سليمان ، فغير مع أنه غلط فنسب الدروع إلى سليمان ، وإنما هي لداود ؛ وكقول النابغة :


                                                          ونسج سليم كل قضاء ذائل



                                                          يعني سليمان أيضا وقد غلط كما غلط الحطيئة ؛ ومثله في أشعار العرب الجفاة كثير ، واحدتها حوذانة وبها سمي الرجل ؛ أنشد يعقوب لرجل من بني الهماز :


                                                          لو كان حوذانة بالبلاد


                                                          قام بها بالدلو والمقاط


                                                          أيام أدعو يا بني زياد


                                                          أزرق بوالا على البساط


                                                          منجحرا منجحر الصداد



                                                          الصداد : الوزغ ؛ ورواه غيره : بأبي زياد ؛ وروي :


                                                          أورق بوالا على البساط

                                                          وهذا هو الأكفأ .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية