الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          تنبيهات

                                                          ( الأول ) : قالوا : فائدة الإشارة في الوقف بالروم ، والإشمام هي بيان الحركة التي تثبت في الوصل للحرف الموقوف عليه ليظهر للسامع ، أو للناظر كيف تلك الحركة الموقوف عليها . وهذا التعليل يقتضي استحسان الوقف بالإشارة إذا كان بحضرة القارئ من يسمع قراءته . أما إذا لم يكن بحضرته أحد يسمع تلاوته فلا يتأكد الوقف إذا ذاك بالروم ، والإشمام لأنه غير محتاج أن يبين لنفسه ، وعند حضور الغير يتأكد ذلك ليحصل البيان للسامع فإن كان السامع عالما بذلك علم بصحة عمل القارئ .

                                                          وإن كان غير عالم كان في ذلك تنبيه له ليعلم حكم ذلك الحرف الموقوف عليه كيف هو في الوصل وإن كان القارئ متعلما ظهر عليه بين يدي الأستاذ هل أصاب فيقره ، أو أخطأ فيعلمه . وكثير ما يشتبه على المبتدئين ، وغيرهم ممن لم يوقفه الأستاذ على بيان الإشارة أن يميزوا بين حركات الإعراب في قوله تعالى : وفوق كل ذي علم عليم ، و إني لما أنزلت إلي من خير فقير فإنهم إذا اعتادوا الوقف على مثل هذا بالسكون لم يعرفوا كيف يقرءون عليم ، و فقير حالة الوصل هل هو بالرفع أم بالجر ، وقد كان كثير من معلمينا يأمرنا فيه بالإشارة . وكان بعضهم يأمر بالوصل محافظة على التعريف به ، وذلك حسن لطيف - والله أعلم - .

                                                          ( الثاني ) التنوين في يومئذ ، وكل ، و غواش تنوين عوض من محذوف والإشارة في يومئذ ممتنعة ، وفي كل و غواش جائزة لأن أصل الذال من يومئذ ساكنة ، وإنما كسرت من أجل ملاقاتها سكون التنوين فلما وقف عليها زال الذي من أجله كسرت فعادت الذال إلى أصلها ، وهو السكون ، وذلك بخلاف كل ، و غواش لأن التنوين فيه دخل على متحرك فالحركة فيه أصلية فكان الوقف عليه بالروم

                                                          [ ص: 126 ] حسنا - والله أعلم - .

                                                          ( الثالث ) : تظهر فائدة الخلاف بين مذهب القراء ، والنحويين في حقيقة الروم في المفتوح والمنصوب غير المنون . فعلى قول القراء لا يدخل على حركة الفتح لأن الفتحة خفيفة فإذا خرج بعضها خرج سائرها لأنها لا تقبل التبعيض كما يقبله الكسر والضم بما فيهما من الثقل . والروم عندهم بعض حركة . وعلى قول النحاة يدخل على حركة الفتح كما يدخل على الضم والكسر لأن الروم عندهم إخفاء الحركة فهو بمعنى الاختلاس . وذلك لا يمتنع في الحركات الثلاث ولذلك جاز الاختلاس عند القراء في هاء يهدي وخاء يخصمون المفتوحين ، ولم يجز الروم عندهم في نحو لا ريب ، وأن المساجد وجاز الروم والاختلاس عند النحاة في نحو أن يضرب فالروم وقفا والاختلاس وصلا ، وكلاهما في اللفظ واحد . قال سيبويه في كتابه : أما ما كان في موضع نصب أو جر فإنك تروم فيه الحركة . فأما الإشمام فليس إليه سبيل انتهى . فالروم عند القراء غير الاختلاس ، وغير الإخفاء أيضا . والاختلاس والإخفاء عندهم واحد ولذلك عبروا بكل منهما عن الآخر كما ذكروا في أرنا ، و نعما ، ويهدي ، و يخصمون ، وربما عبروا بالإخفاء عن الروم أيضا كما ذكر بعضهم في تأمنا توسعا . ووقع في كلام الداني في كتابه التجريد أن الإخفاء والروم واحد ، وفيه نظر .

                                                          ( الرابع ) قولهم لا يجوز الروم ، والإشمام في الوقف على هاء التأنيث إنما يريدون به إذا وقف بالهاء بدلا من هاء التأنيث لأن الوقف حينئذ إنما هو على حرف ليس عليه إعراب ، بل هو بدل من الحرف الذي كان عليه الإعراب . أما إذا وقف عليه بالتاء اتباعا لخط المصحف فيما كتب من ذلك بالتاء كما سيأتي في الباب الآتي فإنه يجوز الوقف عليه بالروم ، والإشمام ، بلا نظر لأن الوقف إذ ذاك على الحرف الذي كانت الحركة لازمة له فيسوغ فيه الروم ، والإشمام - والله أعلم - .

                                                          [ ص: 127 ]

                                                          ( الخامس ) يتعين التحفظ في الوقف على المشدد المفتوح بالحركة نحو : صواف ، ويحق الحق . ولكن البر ، و من صد . و كأن . و عليهن فكثير ممن لا يعرف يقف بالفتح من أجل الساكنين ، وهو خطأ لا يجوز ، بل الصواب الوقف بالسكون مع التشديد على الجمع بين الساكنين إذ الجمع بينهما في الوقف مغتفر مطلقا .

                                                          ( السادس ) إذا وقف على المشدد المتطرف وكان قبله أحد حروف المد ، أو اللين نحو ( دواب ) ، و صواف ( واللذان ) ، ونحو ( تبشرون ) ، ( واللذين ، وهاتين ) وقف بالتشديد كما يوصل وإن اجتمع في ذلك أكثر من ساكنين ومد من أجل ذلك ، وربما زيد في مده وقفا لذلك كما قدمنا في آخر باب المد ، وقد قال الحافظ أبو عمرو الداني في سورة الحجر من جامع البيان عند ذكره ( فبم تبشرون ) ما نصه : والوقف على قراءة ابن كثير غير ممكن إلا بتخفيف النون لالتقاء ثلاث سواكن فيه إذا شددت والتقاؤهن ممتنع ، وذلك بخلاف الوقف على المشدد الذي تقع الألف قبله نحو الدواب ، و صواف ، و غير مضار ، ولا جان وما أشبهه ، وكذلك ( اللذان ) ، ( وهذان ) على قراءته أن الألف للزوم حركة ما قبلها قوي المد بها فصارت لذلك بمنزلة المتحرك ، والواو والياء بتغير حركة ما قبلهما وانتقالهما خلص السكون بهما فلذلك تمكن التقاء الساكنين بعد الألف في الوقف ، ولم يتمكن التقاؤهما بعد الواو والياء لخلوص سكونهما وكون الألف بمنزلة حرف متحرك انتهى ، وهو مما انفرد به ، ولم أعلم أحدا وافقه على التفرقة بين هذه السواكن المذكورة ، ولا أعلم له كلاما نظير هذا الكلام الذي لا يخفى ما فيه ، والصواب الوقف على ذلك كله بالتشديد والروم فلا يجتمع السواكن المذكورة ، على أن الوقف بالتشديد ليس كالنطق بساكنين غيره وإن كان في زنة الساكنين فإن اللسان ينبو بالحرف المشدد نبوة واحدة فيسهل النطق به لذلك ، وذلك مشاهد حسا ولذلك ساغ الوقف على نحو صواف ، ودواب بالإسكان ، ولم يسغ الوقف على

                                                          [ ص: 128 ] ( أرايت ) ونحوه في وجه الإبدال كما تقدم في آخر باب الهمز المفرد - والله أعلم - .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية