الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 311 ] الحديث السابع والثلاثون . عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951386إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ، فمن nindex.php?page=treesubj&link=28847هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم .
وقوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : nindex.php?page=hadith&LINKID=951406إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به يدل على أن nindex.php?page=treesubj&link=2333الصيام لا يعلم قدر مضاعفة ثوابه إلا الله عز وجل لأنه أفضل أنواع الصبر ، و nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب [ الزمر : 10 ] ، وقد روي هذا المعنى عن طائفة من السلف ، منهم كعب وغيره . وقد ذكرنا فيما سبق في شرح حديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=950035من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أن nindex.php?page=treesubj&link=19695_27212مضاعفة الحسنات زيادة على العشر تكون بحسب حسن الإسلام ، كما جاء ذلك مصرحا به في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وغيره ، وتكون بحسب كمال الإخلاص ، وبحسب فضل ذلك العمل في نفسه ، وبحسب الحاجة إليه . وذكرنا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [ الأنعام : 160 ] نزلت في الأعراب ، وأن قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [ النساء : 40 ] نزلت في المهاجرين . النوع الثاني : nindex.php?page=treesubj&link=30531_30525عمل السيئات ، فتكتب السيئة بمثلها ، من غير مضاعفة ، كما قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون [ الأنعام : 160 ] . وقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=951407كتبت له سيئة واحدة إشارة إلى أنها غير مضاعفة ، ما صرح به في [ ص: 317 ] حديث آخر ، لكن السيئة تعظم أحيانا بشرف الزمان أو المكان ، كما قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم [ التوبة : 36 ] 0 قال علي بن أبي طلحة عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في هذه الآية : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36فلا تظلموا فيهن أنفسكم : في كلهن ، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر ، فجعلهن حرما ، وعظم حرماتهن ، وجعل الذنب فيهن أعظم ، والعمل الصالح والأجر أعظم . وقال قتادة في هذه الآية : اعلموا أن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا فيما سوى ذلك ، وإن كان الظلم في كل حال غير طائل ، ولكن الله تعالى يعظم من أمره ما يشاء تعالى ربنا . وقد روي في حديثين مرفوعين أن السيئات تضاعف في رمضان ، ولكن إسنادهما لا يصح . وقال الله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج [ البقرة : 197 ] . قال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : الفسوق : ما أصيب من معاصي الله صيدا كان أو غيره ، وعنه قال : الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم . وقال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم [ الحج : 25 ] . [ ص: 318 ] وكان جماعة من الصحابة يتقون سكنى الحرم ، خشية ارتكاب الذنوب فيه : منهم nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وكذلك كان nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز يفعل ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : الخطيئة فيه أعظم . وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، قال : لأن أخطئ سبعين خطيئة - يعني بغير مكة - أحب إلي من أن أخطئ خطيئة واحدة بمكة . وعن مجاهد قال : nindex.php?page=treesubj&link=25519تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : بلغني أن الخطيئة بمكة بمائة خطيئة ، والحسنة على نحو ذلك . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15106إسحاق بن منصور : قلت لأحمد : في شيء من الحديث أن السيئة تكتب بأكثر من واحدة ؟ قال : لا ، ما سمعنا إلا بمكة لتعظيم البلد " ولو أن رجلا بعدن أبين هم " . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه كما قال أحمد ، وقوله : " ولو أن رجلا بعدن أبين هم " من قول nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى .
وقد nindex.php?page=treesubj&link=30525_30531_30523تضاعف السيئات بشرف فاعلها ، وقوة معرفته بالله ، وقربه منه ، فإن من عصى السلطان على بساطه أعظم جرما ممن عصاه على بعد ، ولهذا توعد الله خاصة عباده على المعصية بمضاعفة الجزاء ، وإن كان قد عصمهم منها ، ليبين لهم فضله عليهم بعصمتهم من ذلك ، كما قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=74ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=75إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات [ الإسراء : 74 - 75 ] . وقال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=30يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=31ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين [ ص: 319 ] [ الأحزاب : 30 - 35 ] . وكان علي بن الحسين يتأول في آل النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم مثل ذلك لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم . النوع الثالث : nindex.php?page=treesubj&link=28847الهم بالحسنات ، فتكتب حسنة كاملة ، وإن لم يعملها ، كما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره ، وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة الذي خرجه مسلم كما تقدم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951409إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة ، فأنا أكتبها له حسنة والظاهر أن المراد بالتحدث حديث النفس ، وهو الهم ، وفي حديث خريم بن فاتك : nindex.php?page=hadith&LINKID=951410من هم بحسنة فلم يعملها ، فعلم الله منه أنه قد أشعر قلبه ، وحرص عليها ، كتبت له حسنة وهذا يدل على أن المراد بالهم هنا هو العزم المصمم الذي يوجد معه الحرص على العمل ، لا مجرد الخطرة التي تخطر ، ثم تنفسخ من غير عزم ولا تصميم . قال nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء : من أتى فراشه وهو ينوي أن يصلي من الليل ، فغلبته عيناه حتى يصبح ، كتب له ما نوى . وروي عنه مرفوعا ، وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه مرفوعا . قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : المحفوظ الموقوف ، وروي معناه من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم . [ ص: 320 ] وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، قال : من هم بصلاة ، أو صيام ، أو حج ، أو عمرة ، أو غزوة ، فحيل بينه وبين ذلك ، بلغه الله تعالى ما نوى . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12107أبو عمران الجوني : ينادى الملك : اكتب لفلان كذا وكذا ، فيقول : يا رب ، إنه لم يعمله ، فيقول : إنه نواه . قال nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : كان رجل يطوف على العلماء ، يقول : من يدلني على عمل لا أزال منه لله عاملا ، فإني لا أحب أن تأتي علي ساعة من الليل والنهار إلا وأنا عامل لله تعالى ، فقيل له : قد وجدت حاجتك ، فاعمل الخير ما استطعت ، فإذا فترت أو تركته فهم بعمله ، فإن الهام بعمل الخير كفاعله . nindex.php?page=treesubj&link=28324ومتى اقترن بالنية قول أو سعي ، تأكد الجزاء ، والتحق صاحبه بالعامل ، كما روى أبو كبشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951411إنما الدنيا أربعة نفر : عبد رزقه الله مالا وعلما ، فهو يتقي فيه ربه ، ويصل فيه رحمه ، ويعلم لله فيه حقا ، فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه الله علما ، ولم يرزقه مالا ، فهو صادق النية ، يقول : لو أن لي مالا ، لعملت بعمل فلان ، فهو بنيته ، فأجرهما سواء ، وعبد رزقه الله مالا ، ولم يرزقه علما يخبط في ماله بغير علم ، لا يتقي فيه ربه ، ولا يصل فيه رحمه ، ولا يعلم فيه لله حقا ، فهذا بأخبث المنازل ، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما ، [ ص: 321 ] فهو يقول : لو أن لي مالا ، لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء . خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وهذا لفظه nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه . وقد حمل قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=951412فهما في الأجر سواء على استوائهما في أصل أجر العمل ، دون مضاعفته ، فالمضاعفة يختص بها من عمل العمل دون من نواه ، فلم يعمله ، فإنهما لو استويا من كل وجه ، لكتب لمن هم بحسنة ولم يعملها عشر حسنات ، وهو خلاف النصوص كلها ، ويدل على ذلك قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=95فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=96درجات منه [ النساء : 95 - 96 ] . قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره : القاعدون المفضل عليهم المجاهدون درجة القاعدون من أهل الأعذار ، والقاعدون المفضل عليهم المجاهدون درجات هم القاعدون من غير أهل الأعذار .
النوع الرابع : nindex.php?page=treesubj&link=30534الهم بالسيئات من غير عمل لها ، ففي حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنها تكتب حسنة كاملة ، وكذلك في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وأنس وغيرهما : أنها تكتب حسنة ، وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951413إنما تركها من جراي يعني : من أجلي . وهذا يدل على أن المراد من قدر على ما هم به من المعصية ، فتركه لله تعالى ، وهذا لا ريب في أنه يكتب له بذلك حسنة ؛ لأن تركه المعصية بهذا القصد عمل صالح . فأما إن nindex.php?page=treesubj&link=30534_18692هم بمعصية ، ثم ترك عملها خوفا من المخلوقين ، أو مراءاة لهم ، فقد قيل : إنه يعاقب على تركها بهذه النية ، لأن تقديم خوف المخلوقين على خوف الله محرم . وكذلك nindex.php?page=treesubj&link=18692_18711قصد الرياء للمخلوقين محرم ، فإذا اقترن به ترك [ ص: 322 ] المعصية لأجله ، عوقب على هذا الترك . وقد خرج أبو نعيم بسند ضعيف عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال : يا صاحب الذنب ، لا تأمنن سوء عاقبته ، ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته ، وذكر كلاما ، وقال : وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ، ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب إذا عملته . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض : كانوا يقولون : ترك العمل للناس رياء ، والعمل لهم شرك . وأما إن سعى في حصولها بما أمكنه ، ثم حال بينه وبينها القدر ، فقد ذكر جماعة أنه يعاقب عليها حينئذ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : : nindex.php?page=hadith&LINKID=951414إن الله يتجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ، ما لم تكلم به أو تعمل ومن سعى في حصول المعصية جهده ، ثم عجز عنها ، فقد عمل ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951415إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول في النار ، قالوا : يا رسول الله ، هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ ! قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه .
وقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=951416ما لم تكلم به أو تعمل يدل على أن nindex.php?page=treesubj&link=30534_30525الهام بالمعصية إذا تكلم بما هم به بلسانه فإنه يعاقب على الهم حينئذ ، لأنه قد عمل بجوارحه معصية ، وهو التكلم باللسان ويدل على ذلك حديث الذي قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951417لو أن لي مالا [ ص: 323 ] لعملت فيه ما عمل فلان يعني : الذي يعصي الله في ماله ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951418فهما في الوزر سواء . ومن المتأخرين من قال : يعاقب على التكلم بما هم به ما لم تكن المعصية التي هم بها قولا محرما ، كالقذف والغيبة والكذب ؛ فأما ما كان متعلقها العمل بالجوارح ، فلا يأثم بمجرد تكلم ما هم به ، وهذا قد يستدل به على حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المتقدم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951419وإذا تحدث عبدي بأن يعمل سيئة ، فأنا أغفرها له ما لم يعملها . ولكن المراد بالحديث هنا حديث النفس ، جمعا بينه وبين قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=951416ما لم تكلم به أو تعمل ، وحديث أبي كبشة يدل على ذلك صريحا ، فإن قول القائل بلسانه : nindex.php?page=hadith&LINKID=951420لو أن لي مالا ، لعملت فيه بالمعاصي ، كما عمل فلان ، ليس هو العمل بالمعصية التي هم بها ، وإنما أخبر عما هم به فقط مما متعلقه إنفاق المال في المعاصي ، وليس له مال بالكلية ، وأيضا فالكلام بذلك محرم ، فكيف يكون معفوا عنه ، غير معاقب عليه ؟ وأما إن nindex.php?page=treesubj&link=30525_30534انفسخت نيته ، وفترت عزيمته من غير سبب منه ، فهل يعاقب على ما هم به من المعصية ، أم لا ؟ هذا على قسمين : أحدهما : أن يكون الهم بالمعصية خاطرا خطر ، ولم يساكنه صاحبه ، ولم يعقد قلبه عليه ، بل كرهه ، ونفر منه ، فهو معفو عنه ، وهو nindex.php?page=hadith&LINKID=951421كالوساوس الرديئة التي سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال : ذاك صريح الإيمان . ولما نزل قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء [ ص: 324 ] [ البقرة : 284 ] ، شق ذلك على المسلمين ، وظنوا دخول هذه الخواطر فيه ، فنزلت الآية التي بعدها ، وفيها قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به [ البقرة : 286 ] فبينت أن ما لا طاقة لهم به ، فهو غير مؤاخذ به ، ولا مكلف به ، وقد سمى nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره ذلك نسخا ، ومرادهم أن هذه الآية أزالت الإبهام الواقع في النفوس من الآية الأولى ، وبينت أن المراد بالآية الأولى العزائم المصمم عليها ، ومثل هذا كان السلف يسمونه نسخا .
القسم الثاني : nindex.php?page=treesubj&link=30534_30525العزائم المصممة التي تقع في النفوس وتدوم ، ويساكنها صاحبها ، فهذا أيضا نوعان : أحدهما : ما كان عملا مستقلا بنفسه من أعمال القلوب ، كالشك في الوحدانية ، أو النبوة ، أو البعث ، أو غير ذلك من الكفر والنفاق ، أو اعتقاد تكذيب ذلك ، فهذا كله يعاقب عليه العبد ، ويصير بذلك كافرا ومنافقا . وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه حمل قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله [ البقرة : 284 ] ، على مثل هذا . وروي عنه حملها على كتمان الشهادة لقوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=283ومن يكتمها فإنه آثم قلبه [ البقرة : 283 ] . ويلحق بهذا القسم سائر المعاصي المتعلقة بالقلوب ، كمحبة ما يبغضه الله ، وبغض ما يحبه الله ، والكبر ، والعجب ، والحسد ، وسوء الظن بالمسلم من غير موجب ، مع أنه قد روي عن سفيان أنه قال في سوء الظن إذا لم يترتب عليه قول أو فعل ، فهو معفو عنه . وكذلك روي عن الحسن أنه قال في الحسد ، ولعل هذا محمول من قولهما على ما يجده الإنسان ، ولا يمكنه دفعه ، فهو يكرهه ويدفعه عن نفسه ، فلا يندفع إلا على ما يساكنه ، ويستروح إليه ، ويعيد حديث [ ص: 325 ] نفسه به ويبديه . والنوع الثاني : ما لم يكن من أعمال القلوب ، بل كان من أعمال الجوارح ، كالزنا ، والسرقة ، وشرب الخمر ، والقتل ، والقذف ، ونحو ذلك ، nindex.php?page=treesubj&link=30534إذا أصر العبد على إرادة ذلك ، والعزم عليه ، ولم يظهر له أثر في الخارج أصلا . فهذا في المؤاخذة به قولان مشهوران للعلماء : أحدهما : يؤاخذ به ، قال nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك : سألت nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : nindex.php?page=treesubj&link=30534أيؤاخذ العبد بالهمة ؟ فقال : إذا كانت عزما أوخذ . ورجح هذا القول كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من أصحابنا وغيرهم ، واستدلوا له بنحو قوله عز وجل nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=235واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه [ البقرة : 235 ] ، وقوله : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=225ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم [ البقرة : 225 ] ، وبنحو قول النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950745الإثم ما حاك في صدرك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس ، وحملوا قوله صلى الله عليه وسلم : إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ، ما لم تكلم به ، أو تعمل على الخطرات ، وقالوا : ما ساكنه العبد ، وعقد عليه قلبه ، فهو من كسبه وعمله ، فلا يكون معفوا عنه ، ومن هؤلاء من قال : إنه يعاقب عليه في الدنيا بالهموم والغموم ، روي ذلك عن عائشة مرفوعا وموقوفا ، وفي صحته نظر . وقيل : بل يحاسب العبد به يوم القيامة ، فيقفه الله عليه ، ثم يعفو عنه ، ولا يعاقبه به ، فتكون عقوبته المحاسبة ، وهذا مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ، وهو اختيار nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، واحتج له بحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في النجوى ، [ ص: 326 ] وذاك ليس فيه عموم ، وأيضا ، فإنه وارد في الذنوب المستورة في الدنيا ، لا في وساوس الصدور . والقول الثاني : يؤاخذ بمجرد النية مطلقا ، ونسب ذلك إلى نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وهو قول ابن حامد من أصحابنا عملا بالعمومات . وروى nindex.php?page=showalam&ids=16574العوفي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما يدل على مثل هذا القول . وفيه قول ثالث : أنه nindex.php?page=treesubj&link=30534_25519لا يؤاخذ بالهم بالمعصية إلا بأن يهم بارتكابها في الحرم ، كما روى nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن مرة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، قال : ما من عبد يهم بخطيئة ، فلم يعملها ، فتكتب عليه ، ولو هم بقتل إنسان عند البيت ، وهو بعدن أبين ، أذاقه الله من عذاب أليم ، وقرأ عبد الله : nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم [ الحج : 25 ] . خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيره . وقد رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي شعبة وسفيان ، فرفعه شعبة ووقفه سفيان ، والقول قول سفيان في وقفه . وقال الضحاك : إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة ، وهو بأرض أخرى ، ولم يعملها فتكتب [ ص: 327 ] عليه ولم يعملها ، وقد تقدم عن أحمد وإسحاق ما يدل على مثل هذا القول ، وكذا حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى عن أحمد . وروى أحمد في رواية المروزي حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود هذا ، ثم قال أحمد يقول : nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ، قال أحمد : لو أن رجلا بعدن أبين هم بقتل رجل في الحرم ، هذا قول الله سبحانه : nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25نذقه من عذاب أليم ، هكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رحمه الله . وقد رد بعضهم هذا إلى ما تقدم من المعاصي التي متعلقها القلب ، وقال : الحرم يجب احترامه وتعظيمه بالقلوب ، فالعقوبة على ترك هذا الواجب ، وهذا لا يصح ، فإن حرمة الحرم ليست بأعظم من حرمة محرمه سبحانه ، والعزم على معصية الله عزم على انتهاك محارمه ، ولكن لو عزم على ذلك قصدا ، لانتهاك حرمة الحرم واستخفافا بحرمته ، فهذا كما لو nindex.php?page=treesubj&link=30534_30525_30523_19050عزم على فعل معصية لقصد الاستخفاف بحرمة الخالق عز وجل ، فيكفر بذلك ، وإنما ينتفي الكفر عنه إذ كان همه بالمعصية لمجرد نيل شهوته ، وغرض نفسه ، مع ذهوله عن قصد مخالفة الله ، والاستخفاف بهيبته وبنظره ، nindex.php?page=treesubj&link=30534_30525ومتى اقترن العمل بالهم ، فإنه يعاقب عليه ، سواء كان الفعل متأخرا أو متقدما ، فمن فعل محرما مرة ، ثم عزم على فعله متى قدر عليه ، فهو مصر على المعصية ، ومعاقب على هذه النية ، وإن لم يعد إلى عمله إلا بعد سنين عديدة . وبذلك فسر nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك وغيره الإصرار على المعصية . وبكل حال فالمعصية إنما تكتب بمثلها من غير مضاعفة ، فتكون العقوبة على المعصية ، ولا ينضم إليها الهم بها ، إذا لو ضم إلى المعصية الهم بها ، لعوقب على عمل المعصية عقوبتين ، ولا يقال : فهذا يلزم مثله في عمل الحسنة ، فإنها إذا عملها بعد الهم بها ، أثيب على الحسنة دون الهم بها ، لأنا [ ص: 328 ] نقول : هذا ممنوع ، فإن من عمل حسنة ، كتبت له عشر أمثالها ، فيجوز أن يكون بعض هذه الأمثال جزاء للهم بالحسنة ، والله أعلم .
وقوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في رواية مسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951422أو محاها الله يعني أن nindex.php?page=treesubj&link=30525_30534_30531عمل السيئة إما أن تكتب لعاملها سيئة واحدة ، أو يمحوها الله بما شاء من الأسباب ، كالتوبة والاستغفار وعمل الحسنات . وقد سبق الكلام فيما تمحى به السيئات في شرح حديث أبي ذر : nindex.php?page=hadith&LINKID=950606اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها . وقوله بعد ذلك : nindex.php?page=hadith&LINKID=951387ولا يهلك على الله إلا هالك : يعني بعد هذا الفضل العظيم من الله ، والرحمة الواسعة منه بمضاعفة الحسنات ، والتجاوز عن السيئات ، يهلك على الله إلا من هلك ، وألقى بيديه إلى التهلكة ، وتجرأ على السيئات ، ورغب عن الحسنات ، وأعرض عنها . ولهذا قال ابن مسعود : ويل لمن غلب وحدانه عشراته . وروى الكلبي عن أبي صالح عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، مرفوعا : هلك من غلب واحده عشرا . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951424خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة ، وهما يسير ، ومن يعمل بهما قليل : تسبح الله في دبر كل صلاة عشرا ، وتحمده عشرا ، وتكبره عشرا ، قال : فتلك خمسون ومائة باللسان ، وألف [ ص: 329 ] وخمسمائة في الميزان ، وإذا أخذت مضجعك ، تسبحه ، وتكبره ، وتحمده مائة ، فتلك مائة باللسان ، وألف في الميزان ، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة . وفي " المسند " عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951425لا يدع أحد منكم أن يعمل لله ألف حسنة حين يصبح يقول : سبحان الله وبحمده مائة مرة ، فإنها ألف حسنة ، فإنه لن يعمل إن شاء الله تعالى مثل ذلك في يومه من الذنوب ، ويكون ما عمل من خير سوى ذلك وافرا .