الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرد في المواريث .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ومن كانت له فريضة في كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو ما جاء عن السلف انتهينا به إلى فريضته ، فإن فضل من المال شيء لم نرده عليه ، وذلك أن علينا شيئين : أحدهما : أن لا ننقصه مما جعله الله تعالى له ، والآخر : أن لا نزيده عليه والانتهاء إلى حكم الله عز وجل هكذا وقال : بعض الناس نرده عليه إذا لم يكن للمال من يستغرقه وكان من ذوي الأرحام وأن لا نرده على زوج ، ولا زوجة وقالوا روينا قولنا هذا عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا : لهم أنتم تتركون ما تروون عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود في أكثر الفرائض لقول زيد بن ثابت وكيف لم يكن هذا مما تتركون ؟ قالوا إنا سمعنا قول الله عز وجل { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } فقلنا معناها على غير ما ذهبتم إليه ، ولو كان على ما ذهبتم إليه كنتم قد تركتموه قالوا فما معناها ؟ قلنا توارث الناس بالحلف والنصرة ثم توارثوا بالإسلام والهجرة ، ثم نسخ ذلك فنزل قول الله عز وجل { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } على معنى ما فرض الله عز ذكره وسن رسوله صلى الله عليه وسلم لا مطلقا هكذا .

ألا ترى أن الزوج يرث أكثر مما يرث ذوو الأرحام ، ولا رحم له ، أولا ترى أن ابن العم البعيد يرث المال كله ، ولا يرثه الخال والخال أقرب رحما منه فإنما معناها على ما وصفت لك من أنها على ما فرض الله لهم وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأنتم تقولون : إن الناس يتوارثون بالرحم وتقولون خلافه في موضع آخر تزعمون أن الرجل إذا مات وترك أخواله ومواليه فماله لمواليه دون أخواله ، فقد منعت ذوي الأرحام الذين قد تعطيهم في حال وأعطيت المولى الذي لا رحم له المال . قال : فما حجتك في أن لا ترد المواريث ؟ قلنا : ما وصفت لك من الانتهاء إلى حكم الله عز وجل وأن لا أزيد ذا سهم على سهمه ، ولا أنقصه قال : فهل من شيء تثبته سوى هذا ؟ قلت : نعم ، قال : الله عز وجل { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وقال : عز ذكره { ، وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر [ ص: 85 ] مثل حظ الأنثيين } فذكر الأخ والأخت منفردين فانتهى بالأخت إلى النصف وبالأخ إلى الكل وذكر الإخوة والأخوات مجتمعين فحكم بينهم مثل حكمه بينهم منفردين قال : { فللذكر مثل حظ الأنثيين } فجعلها على النصف منه في كل حال ، فمن قال برد المواريث قال : أورث الأخت المال كله فخالف قوله الحكمين معا . قلت : فإن قلتم نعطيها النصف بكتاب الله عز وجل ونرد عليها النصف لا ميراثا .

قلنا بأي شيء ترده عليها ؟ قال : ما نرده أبدا إلا ميراثا أو يكون مالا حكمه إلى الولاة فما كان كذلك فليس الولاة بمخيرين ، وعلى الولاة أن يجعلوه لجماعة المسلمين ، ولو كانوا فيه مخيرين كان للوالي أن يعطيه من شاء والله تعالى الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية